للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْحِصْنِ مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَقَالَ لَهُمُ الأَشْعَثُ: يَا بَنِي عَمِّي، مَا الرَّأْيُ، فَقَالُوا:

وَاللَّهِ الرَّأْيُ أَنْ نَمُوتَ كِرَامًا، قَالَ الأَشْعَثُ: فَإِنْ كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَى ذَلِكَ فَافْعَلُوا كَمَا أَفْعَلُ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكُمْ صَادِقُونَ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ الأَشْعَثُ بِيَدِهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَزَّهَا وَرَبَطَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحِهِ، وَجَزَّ الْقَوْمُ نَوَاصِيَهُمْ وَرَبَطُوهَا فِي رؤوس رِمَاحِهِمْ، وَتَبَايَعُوا عَلَى الْمَوْتِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ الأَشْعَثُ أَمَرَ بِبَابِ الْحِصْنِ فَفَتَحَ، وَخَرَجَ فِي أَوَائِلِ الْقَوْمِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

(مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ)

١- يَا قَوْمِ إِنَّ الصَّبْرَ بِالإِخْلاصِ ... ٢- فَلِلإِلَهِ فَاحْلِقُوا النَّوَاصِي

٣- وَبَارِزُوا الأَعْدَاءَ بِالْعِرَاصِ ... ٤- عَلَى عِتَاقِ الْخَيْلِ وَالْقِلاصِ

٥- لا تَجْزَعُوا قَوْمِي مِنَ الْقِصَاصِ ... ٦- وَلا تَقَرُّوا الدَّهْرَ بِالنِّكَاصِ [١]

٧- أَوْ لا تَصِيرُونَ إِلَى الْخَلاصِ

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ خَلْفَهُ الْخَنْفَسِيسُ بْنُ عَمْرٍو، وَضَفِيرَتُهُ مَعْقُودَةٌ عَلَى رَأْسِ رُمْحِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا اخْتَصَرْنَا عَنْ ذِكْرِهَا.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحْرِزٍ الْحُطَمِّيُ وَنَاصِيَتُهُ مَرْبُوطَةٌ فِي رَأْسِ رُمْحِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقُشَيْرِيُّ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ سَعْدُ بْنُ معد يكرب، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، قَالَ: فَكَانَ كُلَّمَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ خَرَجَ مَعَهُ قَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ.

قَالَ: وَاخْتَلَطَ الْقَوْمُ، فَاقْتَتَلُوا عَلَى بَابِ الحصن قتالا لم يقاتلوا [٢] مثله في


[١] النكاص: أراد بها النكوص، وهو الإحجام والتكأكؤ والرجوع عما كان عليه من خير، ولم أجد لفظ (النكاص) في المعاجم.
[٢] في الأصل: (لم يقتلوا) .

<<  <   >  >>