فأقرأني المنصور كتابهما ثم قال لي إني لم أدفعه إليك لتحتج وقد كفيتك الحجاج إنهما لما دفعًا إلي هذا الكتاب أعلمتهما أنك غائب عن الحجة وإني أقوم بها عنك خبرتهما ببدء أمر رسول الله ودعائه الناس إلى الله وإلى دينه وامتناعهم منه غيرك وغير قومك فلما قبض الله رسول الله خرج الأمر عن أهله بغيرك وغير قومك فلما أراد الله أن يظهر حقهم أجراه على يديك وأبدى قومك وكان لك في ذلك ولأهل بيتك حظ غير مجهول حتى بلغ الله في ذلك ما بلغ وقُلتُ لهما أردتما أن تجعلا لأنفسكما في هذا الأمر حظًّا كحظ يزيد وحقًّا كحقه ثم عددت عليهما أمر سلم بن قتيبة وعامر بن ضبارة وغيرهما ممن كان يقاتل في طاعة مروان الجعدي وقُلتُ لهما لولا أني لم أتقدم إليكما لأحسن أدبكما ولأن بلغني أنه جرى لهذا ذكر على ألسنتكما بعد يومي هذا لأوقعن بكما.
قال يزيد: ثم دفع إلي الكتاب فشكرته على ذلك ودعوت له فلما صرت بأفريقية وجه إلي المنصور شبيب بن شيبة في بعض ما كان يتوجه في مثله الخطباء فلم أعرفه شيء من ذلك ولم أؤاخذه وبلغت به بعض ما أمل عندي فلما أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلا على مودتي ومودة أهل بيتي فقُلتُ له ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين ودعوت بالكتاب فأقر وسأل الإقالة وحسن للصفح فقُلتُ له لولا أنك ذكرت ما ذكرت ولولا أني كرهت أنك تستغبيني أو تظن أني جاهل بك لم أوقفك على هذا وسأل دفع الكتاب إليه فلم أمن أن يرجع به إلى المنصور فأمرت بتحريقه بين يديه.
عن يزيد بن حاتم قال: كنت على باب المنصور أنا ويزيد بن أسيد إذ فتح باب القصر فخرج إلينا خادم للمنصور فنظر إلينا ثم انصرف عاديًا فأخرج رأسه