للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما وقع التساهل فى باب الإذن والهدية وما صار عنهما من الأمور حتى جاء فيها قبول قول الخادم والقهرمان من العبد والحر والصبى والبالغ والذمى غيرهم لأن الغالب فى العرف الحادى والعادة القائمة أن يتولى هذه الأمور ويتعاهدها الخدم والخول منهم دون علية الناس وأهل المروءة منهم وأما الشهادات فإنما يقوم بها أعيان الناس ويتحملها ذوو الدين والعدالة منهم لما فيها من التوثق للحقوق والاحتياط عليها ولذلك قرأت مصمتة بأوصاف من البلوغ والحرية والعدالة ونحوها وصارت أخبار السنن واسطة بين الأمرين فجاز فيها قول الواحد إذا قوي قوله بوصف العدالة ولا يحتمل أن يكون ذكرا أو أنثى أو عبدا أو مملوكا أو بصيرا أو أعمى وهذا أيضا نوع تساهل فى رواة أخبار السنة والآثار لأنه لو أن فيها جميع أوصاف الشهود لعدمت النقلة وعز وجودهم وصار ذلك سببا لانقطاع العلم ولو جرت فيها المساهلة التى تجرى فى أخبار المعاملات لوجد الفساد والخلل فى أمر الدين وصار لأهل الباطل سبيلا إلى أن يدخلوا فيه ما ليس منه واختلط أهل الحق بالباطل فاقتصر على الواحد ليتسع الطريق إلى النقل وأيد بالعدالة لتنقطع التهيئة عنه وكل من هذه الأمور منزل على منزلة تليق ويرشد إليها وجه المصلحة ويدل عليه الحكمة وأما الذى قاله أبو زيد من العذر لهم فليس بشىء لأنا بينا وجود قبول الواحد فى أمور الدين وقد ذكرنا صورا منها ونزيد فنقول إذا قال الواحد هذا الماء طاهر أو نجس يقبل قوله ويعمل عليه أو يقول: أنا وكيل فلان فى التصرف فى ماله يجوز الشراء منه وإذا قالت المرأة حضت أو طهرت يقبل الرجل قولها فإذا قالت حضت يجب الامتناع من وطئها وإذا قالت طهرت يجوز الإقدام على وطئها وإذا قال هذه خمر أو نبيذ وقال هذه أمتى أبيعها منك أو ابنتى أزوجها منك فإن سلموا هذه الوجوه لا بد من تسليمها لأن مصالح الناس لا تقوم إلا بها فيكون الباقى من الأخبار ملحقا بها هذه الأخبار مرجعها إلى الدين لأن الامتثال بقول المخبر بالحل والحرمة والصهار والنجاسة وهذه أمور لا تثبت من حقوق الناس فى شىء فهذه الدلائل التى ذكرناها دلائل قطعية موجبة للعلم وللأصحاب دلائل كثيرة سوى هذا فرأينا عنها اقتصارا واكتفاء لهذا القدر وقد ذكر أهل الأصول فى بيان أنه يجوز أن يقع انعدام الآحاد من حيث العقل وأن كانت لا تفيد إلا الظن وذلك لأنه ليس بمستبعد ولا مستنتج فى العقل أن يقول الله تعالى إذا غلب على ظنكم صدق الرواى عن فلان فاعملوا بخبره كما أنه خبر مستقبح فى العقل أن يقول إذا أخبركم فلان فاعملوا بخبره فإذا جاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>