أسقط السكنى بسبب وكانت فاطمة رضى الله عنها تنقل إسقاط السكنى ولا تروى السبب فهذا محل إنكار عمر رضى الله عنه وغيره عليها وعلى لا يقبل رواية الأعرابى لغلبة الجهل عليهم وليس الكلام فى أمثال هذا وأما الكلام فى أصل قبول أخبار الآحاد دليل ثالث هو أنه لا خلاف فى قبول أخبار الآحاد فى باب المعاملات فإن للإنسان أن يدخل دار غيره بإذن الحاجب والبواب وله أن يستبيح ما يقول الرسول إذا قال أهداه لك فلان ووقع فى نفسه صدقه ويأخذ بقول الجمال والخادم وقد تكون الهدية جارية فيستبيح وطأها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل أنس بن مالك رضى الله عنه بحوائجه وأموره وهو صبى واتخذ ابن أريقط الليثى دليلا حين توجه إلى المدينة وقد كان كافرا واعتمد على دالته فهذا فى أبواب المعاملات وأيضا فلا خلاف فى قبول شهادة من لا يقع العلم بقوله فإن نهاية ما فى عدد الشهود هو الأربع ولا شك أن هذا الخبر لا يفيد العلم وإنما يفيد غالب الظن وقد تكون الشهادة فى إراقه دم أو إقامة حد أو استباحة فرج وأدناه استحقاق المال فلم يخلفوا فى قول المستفتى قول المفتى وكذلك فى أخذ القرآن عن المعلم وهذه أمور تتعلق بالدين وما ذكرنا من قبل من أمور الدنيا فإذا جاز قبول أخبار الآحاد فى أمور الدين والدنيا فى هذه المواضع فكذلك فى سائر المواضع فإن قيل قد تعلقتم بالأخبار فى المعاملات وقد يقبل فى الأدنى والهدية وما يشبه ذلك قول من يسكن القلب إلى صدقه من صبى أو فاسق بل كافر أنه لا يجوز قبول قول هؤلاء فى أخبار الدين فكيف يحتج بهذا الفعل مع وقوع هذا الفرقان بينهما واعتذر أبو زيد لهم من أخبار الناس فى المعاملات وقال حقوق العباد ليست كأصل الشريعة فإنها تثبت بإيجابهم وتصرفهم ولهم ضرورة إليها ولا يمكنهم إظهارها وإثباتها بدليل لا يبقى فيه شك وأما الدين فحق الله تعالى والله تعالى قادر على إظهار حقه بما يوجب العلم فلا يجوز إثباته فما دونه كما لا يجوز إثبات أصل الدين من التوحيد والنبوة وصفات الله تعالى بالأخبار التى يعنى بها شك أو شبهة.
قال وأما الشهادة فالأصل ما قدمنا وإنما تركنا الأصل الذى قد بيناه بكتاب الله تعالى وهو بخلاف القياس وقال بعضهم إنهم يقبلوا أخبار الآحاد فى إثبات شرع أو لشهادة بأن زنى أو قتل أو سرق ليس يثبت بها شرع أما الأول قلنا موضع الاستدلال من أخبار المعاملات هو استعمال قول من لا يؤمن الغلط عليه ووقوع الكذب منه وهو موجود فى الأمرين على ما سبق بيانه فإن كان أحدهما يتساهل فيه ما لا يتساهل فى الآخر وإنما يراعى فى الجمع والفرق موضع النكته التى يتعلق بها الحكم دون ما عداه من الأوصاف.