للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"قدم عمار من مصر وابي شاك، فبلغه فبعثني إليه أدعوه، فقام معي ليس عليه رداء وعليه قلنسية من شعر معتم عليها بعمامة وسخة وجبة فراء يمانية؛ فلما دخل على سعد وهو متكئ، استلقى ووضع يده على جبهته ثم قال: ويحك يا أبا اليقظان، إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين، والتأليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمار إلى عمامته - وغضب - فنزعها وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه. فقال سعد: إن لله وإنا إليه راجعون، ويحك حين كبر سنك ورق عظمك، ونفد عمرك فلم يبق منك إلا ظمء كظمء الحمار خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عرياناً كما ولدتك أمك؟ فقام عمار مغضباً مولياً وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد. فقال سعد: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (١) اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات، حتى خرج عمار من الباب. وأقبل عليّ سعد يبكي له حتى أخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني؟ لا يخرجن منك ما سمعت منه فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه فينالونه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر" فقد دله وخرف. وكان بعد يكثر أن يقول:


(١) سورة التوبة، الآية (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>