للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم في عشرة، ولا دليل لهم على هذا الحصر، ولذا قال بعض متأخريهم بأنها لا تكاد تحصى، وللمتكلمين والمحققين من السلف في ذلك كلام لا يتسع هذا الموضع لذكره.

وبالجملة؛ علم الغيب لله سبحانه فلا يقال لغيره عالم الغيب، ومن اطلع على شيء منه بواسطة وحي أو غيره يقال أطلعه الله، وما من أحد من المسلمين إلا ويعرف غيوباً كثيرة- كالأخبار التي وردت في أحوال البرزخ والحساب والجنة والنار- ولا يقال لأحد منهم عالم الغيب، وكثير من المتصوفة يدعون أن مشائخهم يعلمون الغيب، وهذا تعبير شنيع، وربما قالوا بالكشف، وكل ذلك مما لا أصل له، فإن صح منه شيء فلعله بمثل ما ذكره ابن خلدون أو بواسطة قرينة من القرائن، وإلا فالكشف مما لا أصل له.

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} ١ وما أخبر به من الغيوب فبوحي من الله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ٢ وهكذا الأنبياء والرسل. هذا نوح لما أمره الله تعالى أن يصنع الفلك لم يعلم السبب في صنعها، وموسى لم يدر قبل لقي فرعون ماذا يكون من أمره حتى قال: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} ٣ وإبراهيم أعلمه الله وأوحى إليه أن يذبح إسماعيل فبادر إلى ذلك، فلم يعلم هو ولا إسماعيل أن الله ينسخ هذا الحكم، ويعقوب بقي يبكي على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يعلم بحال يوسف، وداود لم يعلم بحقيقة من تسوروا المحراب، وقالوا: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} ٤ القصة، وما حكم به في مسألة الحرث، وتفهيم سليمان لها دونه، وما كان من ضيف لوط وقومه ولم يعلم بحقيقتهم حتى قال: {هؤلاء ضيفي فلا تخزون} ، وما كان من قصة يونس حين ذهب مغاضباً، فكان من أمره ما كان، ولو كان له إطلاع على


١ سورة الأحقاف: ٩.
٢ سورة النجم: ٣-٤.
٣ سورة الشعراء: ١٤.
٤ سورة ص: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>