للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصادقين، قاتله الله ما أقسى قلبه وأبعده عن قبول الحق، نسأله تعالى أن يقلل في المسلمين أمثاله، ويطهر منهم الأرض. ويكفي المسلمين شرهم.

وأما رابعاً: فما قاله النبهاني في مسألة علم الغيب فليس موافقاً للصواب جميع ما ذكره، وفي المسألة تفصيل وقال وقيل، والحق ما نذكره في هذا المقام مما دل عليه الكتاب والسنة وأفاده الأئمة الأعلام.

اعلم أن الغيب قسمان: قسم استأثر الله تعالى به، فلا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي ولا رسول، ولا صفي ولا ولي، ولا منجم ولا كاهن، ولا عرّاف ولا غيرهم، وهو المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ١ فكل من هذه الأمور لم يطّلع الله عليه أحداً من أنبيائه وأصفيائه، والكلام على هذه الآية مفصل في كتب التفاسير، ولا مجال لنا لذكره في هذا المقام.

وأما القسم الثاني: فهو الذي يجوز أن يعرفه غير الله ويطّلع غليه وهو ما عدا الخمسة السابقة، وله أسباب كثيرة: منها الوحي، والكهانة، والطرق، والزجر، ونحو ذلك، وقد تكلم ابن خلدون في المقدمة على المدارك الغيبية وأتى بما تستلذه الأسماع والأفواه، ومن ذلك قوله: إن للنفس الإنسانية استعداداً للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها، ويحصل من ذلك لمحة للبشر من صنف الأتقياء بما فطروا عليه من ذلك، ولا يحتاجون فيه إلى اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك، ولا من التصورات، ولا من الأفعال البدنية كلاماً أو حركة، ولا بأمر من الأمور، ويعطي التقسيم العقلي أن ههنا صنفاً آخر من البشر ناقصاً عن رتبة هذا الصنف نقصان الضد عن ضده الكامل، وهو صنف من البشر مفطور على أن تتحرك قوته العقلية حركتها الفكرية بالإرادة عند ما يتبعها النزوع لذلك وهي ناقصة عنه، فيتشبث لأعمال الحيلة بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة، كالأجسام الشفافة،


١ سورة لقمان: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>