وجود هذا الشرك مانعاً من القتال الشرعي وسبباً للهزيمة وعدم النصر، فأي إنكار أبلغ من هذا؟
وقد أنكر الشيخ شعر الصرصري، ونص على أنه يقع منه ما لا يسوغ ولا يجوز، على أن بعضهم أول بعض أقواله فقال: لأنت إلى الرحمن أقوى وسيلة. ليس فيه استغاثة كما زعم من استشهد به على ذلك، بل المقصود أنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين العباد وبين الله تعالى في إبلاع شرعه ودينه، وبيان ما يحب ويرضى، وما يكرهه وعنه ينهى، فهو وسيلة لمن سار على سبيله وتمسك بهديه وقبله، وقوله:
سل الله رب العالمين يميتني ... على السنة البيضاء غير مبدل
ليس صريحاً في أن السائل لله هو النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يحتمل أنه أراد سل أيها المذنب وأيها العبد ولكنه التفت عن التكلم إلى الخطاب وإحسان الظن بمثله أولى.
وأما قوله: وأنت على كل الحوادث لي ولي. فالمراد أنه يوالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولاه على كل الحوادث في اليسر والعسر، والرخاء والشدة، والضيق والسعة، لا يوالي غير أولياء الله، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ١ فليس المراد بالولي المستغاث المعبود، فإن هذا فهم جاهلي شركي، وأهل الإسلام يفهمون من موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبته، وتعزيره، وتوقيره، وطاعته، والتسليم لأمره، والوقوف عند نهيه، وتقديم قوله على قول كل أحد، هذه موالاة أهل الإسلام.
لكن يبقى باقي الأبيات التي استشهد بها النبهاني من شعر الصرصري فإن تأويلها مشكل.