ورجع عكرمة إلى منزله، وقد سألت عنه زوجته وهي ابنة عمّه، فأخبرت أنّه ركب وليس معه أحد بغير ضوء ولا سراج. فقالت: أمير الجزيرة يركب في مثل هذا الوقت على مثل هذه الحالة؟! والله ما ركب إلاّ لجارية اشتراها، أو امرأة تزوّجها، وبكت وشقّت ثوبها، ولطمت وجهها. فدخل عليها عكرمة، وقال: ما وراءك؟ فقالت: أمير الجزيرة يركب في مثل هذا الوقت على مثل هذه الحالة؟! والله، ما ركبت إلاّ لجارية اشتريتها أو امرأة تزوجتها. فقال: والله، ما كان ركوبي لشيء ظننتيه. فقالت: والله، لا أزال على هذا أو تخبرني بما ركبت له. فأخبرها، فقالت: قد وقع لي أنّ الأمر كذلك كان. وسكتت.
ثم أصبح خزيمة وقد رأى ما أتاه به من الرّزق، فعمد إلى السّوق واشترى الكسوة والخدم والدّوابّ والفرش، وتجهّز للمسير إلى سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة، وكانت له به حرمة متقدّمة فوصل إليه وهو بفلسطين فلما وقف ببابه استأذن عليه، فأذن له. فلمّا رآه قال: خزيمة بن بشر؟! قال:
نعم، خزيمة يا أمير المؤمنين. قال: ما الذي أبطأ بك عنّا؟ قال: سوء الحال. قال: فكيف قدرت الآن على الوصول؟ فأخبره بالقصّة، فقال له:
فما عرفت الرّجل؟ فقال: لا والله، يا أمير المؤمنين. فقال: والله، لو عرفنا من هو لجبرنا منه أضعاف ما جبر منك. ثم دعا بقناة، وعقد له على الجزيرة، وأمره بالخروج إليها.
فقيل لعكرمة: قد ولي خزيمة بن بشر البلد. فقال: بارك الله له فيها.
فلما قرب من البلد خرج النّاس للقائه، وخرج عكرمة فيمن خرج. فلما دخل تقدّم إلى حاجبه أن يمنع عكرمة من الانصراف إلى منزله. ففعل به ذلك باقي يومه، ثم دعا به من الغد وأمر بمحاسبته، فوجد عليه مالا كثيرا فقال: أدّ هذا المال. فقال: ما هو عندي، أصلح الله الأمير، ولا أقدر عليه. فقال: