للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفّقك الله. فلزم بيته وجعل ينفق ممّا في يده.

وولي الجزيرة رجل يقال له عكرمة الفياض من ربيعة، وصادف يوم دخوله الجزيرة نفاد ما كان يتقوّت به خزيمة بن بشر فعند ذلك ذكر (١) عكرمة ابن بشر في مجلسه، وقال: ما فعل خزيمة بن بشر الأسدي؟ فقيل له: قد صار من سوء الحال إلى ما لا يوصف. قال: فما وجد له من إخوانه كافيا ولا مواسيا؟ فقيل له: واساه بعضهم ثمّ ملّوه. فقال: واسوأتاه لهذه الأخلاق. ثم دعا خادما له يثق به، وأمره أن يتعرّف منزل خزيمة، ففعل ذلك، ثم أحضر قهرمانه وأمره أن يأتيه بأربعة آلاف دينار. ففعل ذلك، فلما كان بعد هدأة من الليل دعا بذلك الخادم، وأمره أن يحمل ذلك الكيس بين يديه. وركب دابّته بغير ضوء ولا سراج، وليس معه غير الخادم، وقصدا دار خزيمة حتى أوقفه الخادم على بابها، فأخذ الكيس ووضعه على قربوس (٢) سرجه، وأمر أن يبعد عنه الخادم، ثم قرع الباب على خزيمة، ففتح وخرج إليه، فقال له عكرمة: أنت خزيمة بن بشر؟ قال: نعم، أصلحك الله.

قال: خذ هذا فأصلح به من شأنك. فتناول منه الكيس، وقال له: من أنت جعلت فداك؟ فقال: ما جئتك في ذا الوقت وأنا أريد أن تعلم من أنا. فأخذ بعنان فرسه وقال: ما كنت لأقبل معروف من لم أعرفه. فأبى عكرمة، وألحّ عليه خزيمة، فقال: أمّا إذ أبيت فأنا جابر عثرات الكرام. قال: زدني، جعلت فداك. قال: ما عندي غير ذلك. وجذب عنان فرسه، وانصرف ودخل خزيمة منزله، فقالت له زوجته: ما وراءك؟ فقال لها: قد أتانا الله بخير عظيم، فإن كان فلوسا فهي كثيرة، فهل من سبيل إلى سراج؟ فقالت:

لا والله، مالي إليه من سبيل، ولا أقدر عليه. فحلّ الكيس، ولمس خشونة


(١) في الأصل: ذكره.
(٢) القربوس: حنو السرج.

<<  <   >  >>