وقول المصنف: "إن الناظر ينظر في استنباط العلة إلخ" معناه: أن القائس يقيم الدليل على صحة العلة بطريق من طرق إثبات العلة: من الإيماء أو المناسبة أو تضمن مصلحة مبهمة من جنس المصالح، ثم ينظر في هذه المصلحة، فإن كانت أعم من النص عدّى الحكم إلى غير محل النص، وإلا قصرها على محل النص، فالتعدية فرع الصحة وتابعة لها، فكيف يكون تابع الشيء فرعًا له ومصححًا له؟ ١ معنى ذلك: أنه ما دام لا يشترط التعدي في العلة المنصوصة أو العقلية، فكذلك المستنبطة لا يشترط فيها ذلك لضعفها عنهما. وقد اعترض عليه الطوفي من وجهين. أحدهما: أنه لا يلزم من عدم اشتراط التعدية للعقلية والمنصوصة أن لا يشترط للمستنبطة لقيام الفرق من جهة أن العقلية موجبة مؤثرة، وإنما يظهر تأثيرها في محلها لا يتجاوزه، بخلاف الشرعية، فإنها أمارة معرِّفة، والتعريف لا يختص بمحل المعرف. وأيضًا: فالقياس بالتعدية يفيد الظن، ولا مدخل له في العقليات. وأما المنصوصة: فهي ثابتة بالنص، فثبتت قوتها به، واستغنت عن قوة التعدي، بخلاف المستنبطة. الوجه الثاني: أن قولهم: إذا لم تشترط التعدية في العقلية والمنصوصة، ففي غيرهما أولى، كلام فاسد الوضع، والذي ينبغي هو العكس، لاستغناء العقلية. والمنصوصة عن التعدي لقوتها، وافتقار المستنبطة إلى التعدي لضعفها. انظر: شرح المختصر "٣/ ٣١٩-٣٢٠".