للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنه يستحسنه المجتهد بعقله.

وقد حكي عن أبي حنيفة أنه قال: هو حجة؛ تمسكًا بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ١، وقوله: {اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ٢.

وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن"٣.

ولأن المسلمين استحسنوا دخول الحمام من غير تقدير أجرة، وكذلك نظائره؛ إذ التقدير في مثله قبيح، فاستحسنوا تركه.

ولنا على فساده مسلكان:

الأول: أن هذا لا يعرف من ضرورة العقل ونظره، ولم يرد من سمع متواتر، ولا نقل آحاد، ومهما انتفى الدليل وجب النفي٤.


١ سورة الزمر من الآية: ١٨.
٢ سورة الزمر في الآية: ٥٥.
٣ تقدم تخريجه في باب الإجماع. والأصح وقفه على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- انظر: المقاصد الحسنة ص٣٦٧.
٤ وضحه الطوفي في شرحه "٣/ ١٩٤" فقال: "إن ما ذكروه من تعريف الاستحسان إما أن يكون عقليًّا، أو سمعيًّا، أي: معلومًا من جهة العقل، أو من جهة السمع، وكلاهما باطل، فما ذكروه من تعريف الاستحسان باطل، أما بطلان كونه عقليًّا أو سمعيًّا، فلأنه لو كان عقليًّا لكان إما ضروريًّا أو نظريًّا، لكنه ليس ضروريًّا؛ لأن الضروريات مشتركة بين العقلاء، ولا اشتراك فيما ذكروه، وليس نظريًّا؛ لأن النظر فيه ليس قاطعًا، وإلا لكان مشتركًا. ولا مظنونا؛ إذ لا دليل عليه في النظر، ولو كان سمعيًّا، لكان إما تواترًا، وهو مفقود، أو آحادًا، وهو كذلك، أي: مفقود أيضًا كالتواتر، وليس فيه تواتر ولا آحاد، وإن سلمنا أن فيه دليلًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>