للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا:

انتفاء الدليل قد يعلم، وقد يظن؛ فإنا نعلم أنه لا دليل على وجوب صوم شوال، ولا صلاة سادسة؛ إذ لو كان لنقل وانتشر، ولم يخفَ على جميع الأمة، وهذا علم بعدم الدليل، لا عدم علم بالدليل، فإن عدم العلم بالدليل ليس حجة، والعلم بعدم الدليل حجة.

وأما الظن: فإن المجتهد إذا بحث عن مدارك الأدلة، فلم يظهر له دليل مع أهليته. واطلاعه على مدارك الأدلة، وقدرته على الاستقصاء، وشدة بحثه، وعنايته، غلب على ظنه انتفاء الدليل، فنزل ذلك منزلة العلم في وجوب العمل؛ لأنه ظن استند إلى بحث واجتهاد، وهذا غاية الواجب على المجتهد.

وأما العامي: فلا قدرة له؛ فإن الذي يقدر على التردد في بيته لطلب متاع، إذا فتش وبالغ، أمكنه القطع بنفي المتاع، والأعمى الذي لا يعرف البيت، ولا يدري ما فيه، لا يمكنه ادعاء نفي المتاع.

فإن قيل:

ليس للاستقصاء غاية محدودة، بل للمجتهد بداية ووسط ونهاية،


في طلبه، إنما هو بالعلم بعدم الدليل، لا بعدم العلم بالدليل، فهو كبصير اجتهد في طلب المتاع من بيت لا علة فيه مخفيّة له، أي: للمتاع، أي: ليس في ذلك البت أمر يستر المتاع، فيخفيه عن طالبه، فيجزم بعدمه عند ذلك.
فكذلك المجتهد إذا بالغ في طلب الدليل، فلم يجده، جزم بعدمه، فإن لم يجزم به، غلب على ظنه، وهو كاف في العمل، لا سيّما وقواعد الشرع قد مهدت، وأدلته قد اشتهرت وظهرت، وفي الدواوين قد دوّنت، فعند استفراغ الوسع في طلب الدليل ممن هو أهل للنظر والاجتهاد، يعلم أنه لا دليل هناك.
وحينئذ يكون الاستصحاب منه تمسكًا بالعلم بعدم الدليل الناقل، لا بعدم العلم به" شرح مختصر الروضة "٣/ ١٥٣-١٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>