للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استحضار نية السببية في المثال الثاني غير واضح وليس قريب المأخذ من اللفظ.

قال الإمام الدهلوي :

"وكذلك الرزق والشفاء على وجهين فقولنا: رزق الأمير الجند المفهوم منه أنه فرق الأموال التي جمعها بالقوة الناسوتية، وقولنا: "شفى الطبيب المريض" اجتهد كلَّ الجهد، وسعى كلَّ السعي بفكره الذي يشابه فكر المريض بتعيين دواء فيه حرًا وبردًا وغيرهما من خواص العالم فأعقبه الصحة.

وقولنا: رزق الله تعالى خلقه، وشفى الله عبده أنه أراد أن يجتمع إليه المال من غير ملابسة بالأعمال الناسوتية ولا مشابهة بالناسوتية فاجتمع أولًا أو أن يزول مرضه ويحدث فيه الصحة فكان كما أراد" (١).

فالفرق بين المثالين أن الأول يكون تأثير المسند إليه بقوة مناسبة لإنسانيته وبشريته وهي القوة المباشرة الظاهرة وأما الثاني فيكون تأثير المسند إليه بقوة غير مناسبة لبشريته وهى القوة الغيبية وبدون اتصال مباشر ظاهر للأعين والأبصار، والأمثلة التي يدور النقاش فيها من باب المثال الثاني لا الأول كما هو واضح، ويؤيد هذا الوجه ما يلي:

د - ومما يؤيد الفرق بين المثالين أن علماء البلاغة اشترطوا في القرينة أن تكون قريبة المأخذ وواضحة وأن يكون الشبه بين الطرفين جليًا.

وقالوا: إن الأسد لا يطلق على الرجل أبخر الفم مع اشتراكهما في البخر لأن تلك القرينة بعيدة وغير قريبة المأخذ (٢)، فلا يتبادر الذهن عند إطلاق الأسد على الرجل أن المراد من الإطلاق أنه أبخر الفم بل الذي يتبادر أنه شجاع.


(١) البدور البازغة ص: ١٢٣، بواسطة البصائر: ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٢) انظر التلخيص: ٣٣٥، وترجيح أساليب القرآن: ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>