للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لأنَّه لم يوضع ليدل بمفرده وأما إذا وقع في الكلام التام نحو رأيت أسداً يرمي، فلم يدل إلا على الرجل الشجاع ففي مثل هذا التركيب لا يمكن ادعاء أنه وضع لغير هذا المعنى.

هذا ومما ينبغي أن يفهم أن الذين أنكروا وجود المجاز في اللغة لم ينكروا وجود تلك الأمثلة التي ضربها المثبتون، له، وإنما ذهبوا إلى أن ذلك أسلوب من أساليب اللغة العربية وأن الكل حقيقة، والكلمة إذا استعملت في هذا الأسلوب فهي حقيقة، وإذا استعملت في أسلوب آخر فهي أيضاً حقيقة، ولا يمكن أن نقول: إنها في هذا الأسلوب حقيقية وفي الآخر مجازية. قال الدكتور لطفي عبد البديع:

"إن منازعة القوم في المجاز، إنما كانت منازعة في صحته على أنه خلاف الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام، وإلا فإن ما أطلق عليه المجاز ثابت في اللغة لا يسع أحداً إنكاره وهو أكثر من أن يحصى فالعرب كما ذكر ابن فارس قالت استوى فلان على متن الطريق ولا متن لها، وفلان على جناح السفر ولا جناح للسفر وشابت لمة الليل، وقامت الحرب على ساق وليس لليل لمة ولا للحرب ساق …

ولم يؤثر عن أحد ممن سمعوا هذا الضرب من الكلام قبل ظهور القول بالمجاز بعد القرون الثلاثة الأولى أنه على خلاف الأصل، أو أن ألفاظه استعملت في غير ما وضعت له بحيث ينبغي تأويله لدفع شبهة الكذب عنه والمبالغة" (١).

وأما على قول من أثبت المجاز في اللغة فالإجابة تكون على وجوه.

وقبل الخوض في تلك الوجوه لا بد من الإشارة إلى أن العلماء من أهل الأصول وأهل البلاغة الذين أثبتوا المجاز اتفقوا على أن الأصل في


(١) فلسفة المجاز: ٢٥٢ - ٢٥٣، وانظر الوصول إلى الأصول: ١/ ٩٧ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>