قولهم ﴿مِن لَدُنكَ﴾ ما يشعر أنهم لم يلتفتوا في هذا الدعاء لا إلى الرسول ﷺ ولا صحابته بل جردوا الطلب الله تعالى أن ييسر لهم من يشاء لينصرهم.
ومنها قول النصارى الذين آمنوا بالنبي ﷺ: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)﴾ [المائدة: ٨٣]. ومنها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)﴾ [الحشر: ١٠]. فقد توسلوا بربوبيته ورأفته ورحمته، وطلبوا الدعاء لمن سبقهم فجاء المتأخرون فعكسوا القضية فتركوا المأمور به وهو الدعاء لمن سبقهم وارتكبوا المحظور وهو الدعاء بهم أو دعاؤهم من دون الله تعالى.
٣ - إن الرسول ﷺ قد علم أمته كل خير، ومما علمها الأدعية المباركة وقد جمعها علماء السنّة المشرفة، فبعضهم جمعها ضمن الموضوعات المتفرقة كأصحاب السنن الستة والمسانيد والمعاجم، وبعضهم جمعها في مؤلف مستقل وهؤلاء أيضاً كثيرون كما سبق (١). وهؤلاء الجامعون للأدعية النبوية لم ينقلوا حرفاً واحداً من توسل النبي ﷺ بالأنبياء السابقين بطريق صحيح صريح، كما لم يذكروا أنه أمر أصحابه بالتوسل به وبجاهه أو بجاه الأنبياء السابقين وشرفهم، ولا نجد في تلك الأدعية المباركة، التوسل المبتدع الذي يلهج به المتأخرون والذي لا يخلو منه دعاء من أدعيتهم.
اللهم إلا ما قد يشتبه من ذلك في حديث الضرير وسيأتي التنبيه عليه وما يشبهه وأن ذلك ليس من التوسل المبتدع على فرض صحة تلك الأحاديث.