للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على أنهم لم يفعلوا ذلك عدم النقل عنهم إذ لو فعلوا لنقل عنهم كما نقل عملهم المشروع.

لأن مثله مما تتوافر الدواعي والهمم على نقله بل على نقل ما دونه، وقد قال وارث علم السلف شيخ الإسلام ابن تيمية : "وما أحفظ لا عن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عنده ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا عن النبي ، ولا عن أحد من الأئمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته، وذكروا فيه من الآثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شيء من القبور حرفاً واحداً فيما أعلم" (١).

فإذا ثبت أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يكونوا يقصدون القبر للدعاء عنده، يقال لمن يستحسن ذلك: إن الأمر لا يخلو:

١ - إما أن يكون الدعاء عنده أفضل منه في غير تلك البقعة.

٢ - وإما أن لا يكون أفضل.

فعلى تقدير أنه أفضل يقال له:

لا يجوز أن يخفى علم ذلك على الصحابة والسلف الصالح فتكون القرون الثلاثة المفضلة جاهلة بهذا الفضل، ويعلمه من بعدهم.

وكذلك لا يجوز أن يعلموا ما فيه من الفضل ويزهدوا فيه مع حرصهم على كل خير لا سيما الدعاء، فإن المضطر يتشبث بكل سبب، وإن كان فيه نوع كراهة، فكيف يكونون مضطرين في كثير من الدعاء وهم يعلمون فضل الدعاء عند القبور ثم لا يقصدونه؟ هذا محال طبعاً وشرعاً.

وأما على تقدير أن الدعاء عندها ليس بأفضل، فيقال له:

إن قصد الدعاء عندها مع عدم فضله، ضلالة ومعصية (٢) لأنها


(١) اقتضاء الصراط: ٣٦٨ - ٣٦٩، وانظر نحوه في: إغاثة اللهفان: ١/ ١٥٨.
(٢) اقتضاء الصراط: ٣٤٠، وإغاثة اللهفان: ١/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>