الدعاء عند القبر، مع كثرة ما ورد في باب الأدعية، وكثرة مصنفات السلف فيها التي ذكروا فيها آدابها ومواقيتها وأماكنها وغير ذلك ولم نجد أحداً منهم قال بمشروعية التحري للدعاء عند القبر.
فدل هذا على أنه لم يرد في الشرع ولم يفعله السلف الصالح فثبت أنه بدعة إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم أحرص الناس على الخير.
وهذه المسألة بيانها يتوقف على معرفة قاعدة أصولية مهمة وهي أن "الترك الراتب سنة، كما أن الفعل الراتب سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده ﷺ من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في مصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد، وتعلم العربية … بما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه ﷺ لفوات شرطه، أو وجود مانع، فأما ما تركه من جنس العبادات -مع أنه لو كان مشروعاً لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة- فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله"(١).
هذا ويوضح هذا الدليل السابق الدليل الآتي:
٢ - إن الصحابة رضوان الله عليهم قد وقعوا في مصائب جسيمة ووقائع أليمة ومع هذا لم ينقل عنهم أنهم قصدوا قبر النبي ﷺ أو قبور كبار الصحابة رضوان الله عليهم، بل عملوا المشروع الوارد مثل خروجهم إلى الصحراء في الاستسقاء، وكذلك لم ينقل عن التابعين والأئمة بعدهم أنهم تحروا القبر للدعاء.
(١) القواعد النورانية: ١٠٢، وانظر اقتضاء الصراط: ٢٧٨ - ٢٨٢، وإعلام الموقعين: ٢/ ٣٧٠، وانظر هذه القاعدة أيضاً في الاعتصام للشاطبي: ١/ ٣٦٠ - ٣٦٥، فقد أوضح هذه القاعدة بذكر الأمثلة لها وشرحها شرحاً وافياً كما شرحها في كتابه الآخر: الموافقات في أصول الشريعة: ٣/ ٧١ - ٧٧.