للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الداعي إنما يدعو إلهه عند انقطاع أمله مما سواه وذلك خلاصة التوحيد (١).

فالداعي لغير الله تعالى قد صرف أهم العبادات القلبية لغيره تعالى فكفي بذلك قبحًا وشناعة وفسادًا ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه من قلب الداعي بسبب قسمته ذلك بينه وبين من دعاه من دون الله ليقضي حاجته أو يتوسط له عند الله تعالى - فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من دعاه من دون الله - لكفى ذلك في شناعته وقبحه (٢) وآثاره الضارة.

فكيف وفيه مفاسد أخرى عظيمة وعواقب وخيمة؟

٢ - إن دعاء غير الله تعالى فيه إذلال الداعي لنفسه وإخضاعه إياها لمخلوق مثله لا يملك لنفسه نفعًا ولا يدفع عنها ضرًا، فضلًا عن الداعي الأجنبي فكيف يذل الداعي نفسه لهذا المخلوق العاجز؟ ولقد كرم الله الإنسان وشرفه وفضله على كثير من خلقه فإذا سلب الإنسان نفسه هذه الكرامة وأذلها لمخلوق ضعيف فقد ضيع حقها وأذلها.

ففي دعاء غير الله تعالى إضاعة لحقوق النفس وكرامتها وشرفها كما أن فيه إضاعة لحقوق الله تعالى وعبوديته وقد ذكر ابن رجب أن سؤال الله هو المتعين وعلل ذلك بأن فيه إظهار الذل والافتقار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة، ثم ذكر أن الإمام أحمد يدعو ويقول: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك" (٣).


(١) تيسير العزيز الحميد ص: ٢٤٣.
(٢) انظر إغاثة اللهفان: ١/ ٥٠.
(٣) جامع العلوم والحكم ص: ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>