للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بيّن الله في كتابه العزيز الدعوات التي لم يستجبها بعين المطلوب مع أن الذين دعوه هم أنبياؤه ورسله الكرام ومع ذلك قد تتأخر الإجابة بعين المطلوب ويخبرهم الله تعالى أن ما سألوه لا تقتضيه الحكمة الإلهية فإذا كان هذا في الأنبياء والرسل مع ما أعطاهم الله من المنزلة والكرامة فكيف بمن دونهم؟

ومن الأمثلة التي بَيَّنَ اللهُ فيها ذلك: قوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨].

فقد نزلت في دعاء النبي على الذين آذوه يوم أُحد وقتلوا أصحابه فدعا عليهم فنزلت (١).

وقوله تعالى في سؤال موسى رؤيةَ ربِّه تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ [الأعراف: ١٤٣].

وقوله تعالى في سؤال نوح نجاةَ ابنه: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٥، ٤٦].

ومن هنا ينبغي للعبد أن لا يعترض إذا تأخرت الإجابة لدعائه وليعلم أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة السائل عليه بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه وشقوته، وقد يمنعه منها لكرامته عليه ومحبته له فيمنعه حماية وصيانة وحفظاً لا بخلًا (٢).

هذا وإذا عرفنا أن الإجابة قد تتأخر لحكم وأسرار يعلمها الله تعالى نبدأ في الجواب عن السؤال الماضي فنقول وبالله التوفيق:


(١) أخرجه البخاري: ٧/ ٣٦٥ رقم ٤٠٧٠، والترمذي: ٥/ ٢٢٦ رقم ٣٠٠٢.
(٢) مدارج السالكين: ١/ ٧٩، والآداب الشرعية: ٢٩٢٢، وقد ذكر ابن الجوزي فوائد مهمة في هذا الموضوع في صيد الخاطر في عدة مواضع منه منها ص: ٨٥ - ٨٦ و ١٢٤ - ١٢٥ و ١٥٠ و ١٧٨ و ١٩٠ - ١٩١ و ٢٧٧ و ٢٨٥ - ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>