للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة في عدله، وحِيَطته١ وإنصافه، وعنايته وشفقته، وبره وتوسعته، فزايل مكروه أحد البابين باستشعار تكملة الباب الآخر، ولزوم العمل به، تلقَ إن شاء الله نجاحًا وصلاحًا وفلاحا، واعلم أن القضاء من الله بالمكان الذي ليس به شيء من الأمور؛ لأنه ميزان الله الذي يعتدل عليه الأحوال في الأرض، وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح الرعية، وتأمن السبل، وينتصف المظلوم، ويأخذ الناس حقوقهم، وتحسن المعيشة، ويؤدَّي حق الطاعة، ويرزق الله العافية والسلامة، ويقوم الدين، وتجري السنن والشرائع، وعلى مجاريها يتنجَّز الحق والعدل في القضاء، واشتد في أمر الله، وتورع عن النَّطَف٢، وامض لإقامة الحدود وأَقْلِل العجلة، وابعد من الضجر والقلق، واقنع بالقسم، ولتسكن ريحك، ويقر جدك وانتفع بتجربتك، وانتبه في صمتك، واسدد٣ في منطقك، وأنصف الخصم، وقف عند الشُّبة، وأبلغ في الحجة، ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا محاماة٤ ولا لوم لائم، وتثبت وتأنَّ وراقب، وانظر وتدبر، وتفكر واعتبر، وتواضع لربك وارأَف٥ بجميع الرعية، وسلِّط الحق على نفسك، ولا تُسرعنَّ إلى سفك دم "فإن الدماء من الله بمكان عظيم" انتهاكا لها بغير حقها، وانظر هذا الخراج الذي قد استقامت عليه الرعية، وجعله الله للإسلام عزا ورفعة، ولأهله سعة ومنعة، ولعدوه عدوهم كَبْتًا٦، وغيظا، ولأهل الكفر من مُعاديهم ذلًا وَصَغارا، فوزَّعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم فيه، ولا ترفعنَّ منه شيئا عن شريف لشرفه، ولا عن غني لغناه، ولا عن كاتب لك، ولا أحد من خاصتك، ولا تأخذنَّ منه فوق الاحتمال له، ولا تكَلَّفَنَّ أمرًا فيه شطط، واحمل الناس كلهم على مرِّ الحق، فإن ذلك أجمع لألفتهم،


١ في المقدمة: "وعطيته".
٢ النطف: العيب والشر والفساد.
٣ سد يسد كضرب: صار سديدا.
٤ في المقدمة: "ولا محاملة".
٥ من باب كرم وقطع وطرب.
٦ كبته: صرعه وأخزاه؛ ورد العدو بغيظه وأذله.

<<  <  ج: ص:  >  >>