للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوقار والحلم، وإياك والحدة والطيش والغرور فيما أنت بسبيله، وإياك أن تقول: إني مُسَلَّطٌ أفعل ما شاء، فإن ذلك سريع بك إلى نقص الرأي، وقلة اليقين بالله وحده لا شريك له، وأخلص الله النية فيه واليقين به، واعلم أن الملك لله، يعطيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد، وأسرع منه إلى حَمَلَةِ النعمة من أصحاب السلطان، والمبسوط لهم في الدولة، إذا كفروا بنعم الله وإحسانه، واستطالوا بما آتاهم الله من فضله، ودع عنك شره نفسك، ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تدَّخر وتكنز البرَّ والتقوى والمعِدَلة، واستصلاح الرعية وعمارة بلادهم، والتفقُّد لأمورهم والحفظ لِدَهْمَائِهم١ والإغاثة لملهوفهم، واعلم أن الأموال إذا كثرت وذخرت في الخزائن لا تُثْمِر، إذا كانت في إصلاح الرعية وإعطاء حقوقهم، وكف المئونة عنهم، نمت وربت وصلحت به العامة، وتزينت به الولاة، وطاب به الزمان، واعتقد فيه العزة والمنعة، فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله، ووفِّر منهُ على أولياء أمير المؤمنين قِبَلك حقوقهم، وأَوْفِ رعيتك من ذلك حصصهم، وتعهد ما يصلح أمورهم ومعايشهم، فإنك إذا فعلت ذلك قرت النعمة عليك، واستوجبت المزيد من الله، وكنت بذلك على جباية خراجك، وجمع أموال رعيتك وعملك أقدر، وكان الجمع لما شملهم من عدلك وإحسانك أساس لطاعتهم، وأطيب نفسا لكل ما أردت، فاجْهَد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب، ولتعظم حِسْبتك فيه فإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل حقه، واعرف للشاكرين شكرهم وأثِبْهم عليه، وإياك أن تُنْسِيك الدنيا وغرورها هَوْل الآخرة، فتتهاون بما يحق عليك، فإن التهاون يوجب التفريط، والتفريط يورث البَوَار، وليكن عملك لله وفيه تبارك وتعالى وارج الثواب، فإن الله قد أسبغ عليك نعمته في الدنيا، وأظهر لديك فضله، فاعتصم بالشكر وعليه فاعتمد، يَزِدْك الله خيرًا وإحسانا، فإن الله يثبت بقدر شكر الشاكرين،


١الدهماء: جماعة الناس "وفي المقدمة: والحفظ لدمائهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>