للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تَمِل عند العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد، وآثر الفقه وأهله، والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به، فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحثّ عليه، والمعرفة بما يتقرب به إلى الله، فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له، والآمر به، والناهي عن المعاصي والموبقات كلها، وبها مع توفيق الله تزداد العباد معرفة بالله عز وجل، وإجلالًا له، ودَرْكًًًًا للدرجات العلا في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك، والهيبة لسلطانك، والأَنَسَة بك، والثقة بعدلك، وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها، فليس شيء أبين نفعا، ولا أحضر أمنا، ولا أجمع فضلًا من القصد، والقصد داعية إلى الرشد، والرشد دليل على التوفيق والتوفيق قائد إلى السعادة، وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد، فآثره في دنياك كلها، ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة، والسنن المعروفة، ومعالم الرشد، فلا غاية للاستكثار من البرِّ والسعي له، إذا كان يطلب به وجه الله ومرضاته ومرافقة أوليائه في دار كرامته، واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويحصن من الذنوب، وإنك لن تَحُُوط١ نفسك ومن يليك، ولا تستصلح أمورك بأفضل منه، فَأْتِه واهتد به تتمّ أمورك، وتزِدْ مقدرتك، وتصلح خاصتك وعامتك، وأحسن الظن بالله عز وجل تستقم لك رعيتك، والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها، تَسْتَدِم به النعمة عليك، ولا تتهمن أحدا من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشِفَ أمره، فإن إيقاع التهم بالبُرَآء، والظنون السيئة بهم مَأْثم، واجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك، واطرد عند سوء الظن بهم، وارفضه فيهم، يعينك ذلك على اصطناعهم٢ ورياضتهم، ولا يجدنَّ عدو الله الشيطان في أمرك مَفْخَرا، فإنه إنما يكتفي بالقليل من وَهَنِكَ٣، فيدخل عليك من الغم في سوء الظن ما ينغصك لَذَاذَةَ عيشك، واعلم أنك


١تصون.
٢ اصطنعتك لنفسي: اخترتك لخاصة أمر أستكفيك إياه.
٣ الوهن بسكون الهاء وفتحها، والضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>