للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لا نزاع في تسميته عليه السلام (كلمة) ١ كما سمّي إبراهيم

خليلاً٢. وموسوى كليماً٣، والتسميات لا حجر فيها، وإذ وافقناكمعلى تسمية المسيح كلمة، فمن أين لكم قِدَمُهَا؟ وبم تنكرون على من يزعم أن الكلمة عبارة عن الآية؟.

والآيات تسمى كلمات، وهو المعني بقوله: {مَا نَفَدَتْ كَلْمَاتُ الله} ٤. يعني: آياته ومصنوعاته، وقد قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأَمَّهُ آيَةً ... } . [سورة المؤمنون، الآية: ٥٠] . وقال: {وَجَعَلْنَاهَا وابْنَهَا آيَةً لِلعَالِمينَ} . [سورة الأنبياء، الآية: ٩١] . فهذا وجه.

ووجه آخر: وهو أن نقول: المعنى بإلقاء الكلمة إلى مريم تكوين المسيح من غير نطفة فحل، والمقصود أن الله اخترعه وكَوَّنه من غير تناسل معروف وقال له: كن، فكان. إذ كلّ أمر اتّصل بأمرور فهو ملقى إليه.


١ قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} . [سورة آل عمران، الآية: ٤٥] . وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ..} . الآية. [سورة النساء، الآية: ١٧١] .
قال ابن كثير في تفسيره ١/٦٠٣: "إنما المسيح عبد من عباد الله، وخلق من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله، وكلمته ألفاها إلى مريم، أي: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربّه عزوجل فكان عيسى بإذنه عزوجل، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنْزِلة لقاح الأب والأمّ، والجميع مخلوق لله عزوجل، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه؛ لأنه لم يكن له أب تولد منه إنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال لها بها: كن فكان". اهـ.
٢ قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . [سورة النساء، الآية: ١٢٥] .
٣ قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} . [سورة النساء، الآية: ١٦٤] .
٤ قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . [سورة لقمان، الآية: ٢٧] . قال قتادة: أي: لو كان شجر الأرض أقلاماً ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفذ عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه". (ر: تفسير ابن كثير /٤٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>