٢ إن مسألة الوجوب على الله أو (هل يجب على الله تعالى شيء؟) ، قد سلك فيها كلّ من المعتزلة والأشاعرة طريقين كليهما خطأ. ولم يوفقوا لطريق الحقّ الذي دلّ عليه الكتاب والسنة، وتوضيح ذلك: ١- أن المعتزلة أفرطوا في تمجيد العقل، حتّى أوجبوا بمقتضاه على الله تعالى أموراً وحرموا عليه أموراً أخرى، ووضعوا لله شريعة التعديل والتجوير، فهم بذلك شبهوا الخالق بالمخلوق. (ر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص ١٣٢، والمجموع المحيط بالتكليف لابن منتويه ص ٢٣٤) . ٢- أما الأشاعرة فقد أخطأوا في إطلاقهم القول بنفي الوجوب في حقّه تعالى، فلم ينَزِّهوه عن فعل شيء، بناء منهم على نفي التحسين والتقبيح العقليين، وقالوا: إن الوجوب لا يتصور في حقّه؛ لأنه المالك المتصرف ولا يسأل عما يفعل، ونسوا أنه لا يسأل لكمال حكمته. (ر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي ص ١٤٧، ١٤٨، المواقف للإيجي ص ٣٢٨، ٣٢٩، والتبصير في الدين للإسراييني ص ٦٨) . ٣- وأما أهل السنة والجماعة - الفريق الوسط - فهم الذين منعوا أن يوجب العقل على الله تعالى شيئاً، ولم يمنعوا أن يوجب الله على نفسه بعض الأمور التي يقتضيها كماله والتي أخبر أنه أوجبها على نفسه. كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} . [سورة الأنعام، الآية: ٥٤] . وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لما قضى الخلق كتب على نفسه كتاباً، فهو موضوع عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي". أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري ١٣/٤٠٤) . ولا يلزم من كونه تعالى أوجب على نفسه بعض الأمور أن يكون فاعلاً بالإيجاب - أي: لا اختبار له ـ؛ لأنه سبحانه أوجبه على نفسه باختياره، فإذا شاء الحسن واختاره لم يكن ذلك نافياً للاختيار، فاختياره وإرادته اقتضت التعلق بما كان حسناً على وجه اللزوم فكيف لا يكون مختاراً. (ر: مدارج السالكين ١/٦٦، ٢/٣٣٨، شفاء العليل لابن القيم ص ١٧٩، والحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى د. محمّد ربيع المدخلي ص ١١٠-١١١) . ويُبَيِّن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - موقف السلف في هذه المسألة بقوله: "وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى، والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية - أي: المعتزلة - وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول. وأهل السنة متّفقون على أنه سبحانه خالق كلّ شيء وربّه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئاً. ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب، قال: إنه كتب على نفسه الرحمة، وحرّم الظلم على نفسه، فإن الله هو المنعم على العباد بكلّ خيرٍ، فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح". اهـ. (ر: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص ٤٠٩، ٤١٠) .