للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاليا بعد أن كان عاطلا من الحلى والزينة. ويخال الشموع فى النهر كأنها رماح مشرعة، بينما الزوارق منها ذات الشراع أو الجناح ومنها ذات المجاديف، وتسرع كأنما هى أرانب تخاف أن يصيدها البزاة والصقور. ومن شعراء الطبيعة المبدعين حينئذ محمد بن سفر، وسنخصه بكلمة. ونلتقى بأخرة من أيام الموحدين بالهيثم بن أبى الهيثم حافظ إشبيلية بل الأندلس جميعها فى عصره، وكان أعجوبة دهره، كان يحفظ ديوان ذى الرمة الشاعر الأموى، ومن عجائبه أنه كان يملى على شخص شعرا-كما يقول ابن سعيد-وعلى ثان موشحة وعلى ثالث زجلا، وكل ذلك يمليه ارتجالا دون توقف، وله فى فرس أصفر (١):

أطرف فات طرفى أم شهاب ... هفا كالبرق ضرّمه التهاب (٢)

أعار الصّبح صفحته نقابا ... ففرّ به وصحّ له النّقاب

فمهما حثّ خال الصّبح وافى ... ليطلب ما استعار فما يصاب

إذا ما انقضّ كلّ النّجم عنه ... وضلّت عن مسالكه السّحاب

وللأندلسيين شعر كثير فى وصف الخيل لأنهم كانوا يحاربون عليها دائما، وكانوا يعقدون أحيانا بينها سباقات. ويتشكك الهيثم حين رأى هذا الفرس يعدو عدوا سريعا كأنه يبارى به الرياح، فيقول أهذا طرف أى حصان أو هو شهاب سقط من أحد أركان السماء، وكأنه برق مضطرم لهيبا. ويظن كأن الصبح أعاره نقابا أصفر، ففرّ به، وهو دائما لا يتوقف كأنه يظن الصبح فى إثره يطلب نقابه الذى اقترضه منه. ويقول إنه إذا انقضّ وراء فريسة أعيا النجم أن يلحق به وضلّت السحب عن معرفة مسالكه. ويلقانا أبو جعفر أحمد بن طلحة، وله (٣):

أدرها فالسماء بدت عروسا ... مضمّخة الملابس بالغوالى (٤)

وخدّ الروض خفّره أصيل ... وجفن النهر كحّل بالظلال

وجيد الغصن يشرف فى لآل ... تضيئ بهنّ أكناف الليالى

وهو يقول لصاحبه: دعنا نتناول خمر الغبوق المسائية، فالسماء قد بدت عروسا


(١) الرايات ص ٤٧ وانظر فى الهيثم وترجمته وشعره المغرب ١/ ٢٦٣ واختصار القدح المعلى ص ١٥٨ والتكملة ص ٧١٦. توفى سنة ٦٣٠.
(٢) طرف بكسر الطاء: حصان. هفا: أسرع.
(٣) اختصار القدح المعلى ص ١٤ وانظر فى ترجمة ابن طلحة أيضا المغرب ٢/ ٣٦٤ والتحفة رقم ٩٦.
(٤) الغوالى: جمع غالية: المسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>