للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رموزا تصور كيف أن جذوة الحب العذرى الطاهر لا تزال متقدة فى نفوس الشعراء هناك، مما جعل ابن طفيل يستعير من المدينة وادى العقيق ومن مكة المحصّب، وجعل التراب الذى يمر عليه ذيل ثوب صاحبته مسكا، يتقاسمه الناس وينهبونه، ولمعت فى ذهنه ذكرى العطار الذى ذكره الغزلون القدماء مرارا فى مثل قول الشاعر العربى القديم متحدثا عن ولع صاحبته بالمسك والتعطّر به:

إذا التاجر الدارىّ جاء بفأرة ... من المسك راحت فى مفارقها تجرى (١)

ويفضى إلى الحديث عن جمال صاحبته الذى بهره، ويقول إنها بلغت من إشراقها ما جعلها ترى الظلام لا يسترها مهما صنعت، فأزاحت العصابة عن رأسها وجوانب وجهها فأبدت من أشعة ضوئها ما يفوق أشعة الشمس فى الصباح، بل إن ضوء الصباح ليبدو مظلما بالقياس إلى ضوئها، ولعله فى ذلك نظر إلى قول أبى تمام:

بيضاء تسرى فى الظلام فيكتسى ... نورا وتمشى فى الضياء فيظلم

وما يلبث ابن طفيل أن يحلق فى خياله، إذ يتصور جمال صاحبته حجابا لها يعشى الناظرين فيدفعهم عن النظر إليها، وهو حجاب أروع من حجاب الدموع المار بنا آنفا عند محمد بن عياض. وكان يعاصر ابن طفيل أبو جعفر بن سعيد وسنفرد له كلمة مع صاحبته حفصة الركونية. ونلتقى فى مدينة الجزيرة الخضراء بشاعر من بيت نباهة وثراء هو ابن أبى روح، وله يصف ليلة (٢) قضاها مع صاحبته فى متنزه على ضفة نهر الجزيرة الخضراء المسمى وادى العسل لحلاوته (٣) كما يقول ابن سعيد:

عرّج بوادى العسل ... وقف عليه واسأل

عن ليلة قطعتها ... صبحا برغم العذّل

أرشف خمر الرّيق أو ... أقطف ورد الخجل

وقد تعانقنا اعتنا ... ق القضب فوق الجدول (٤)


(١) فأرة المسك: وعاؤه. الدارى: العطار.
(٢) رايات المبرزين لابن سعيد (تحقيق د. النعمان القاضى طبع القاهرة) ص ٥٤.
(٣) المغرب ١/ ٣٢٠ إذ يقول ابن سعيد عندما يخرج الإنسان من باب الجزيرة الخضراء يجد المياه الجارية والبساتين النضرة، ونهرها يعرف بوادى العسل لحلاوته وعليه حاجب مشرف على النهر والبحر فى نهاية من الحسن يسمى الحاجبية، ومن متنزهاتها النقا.
(٤) القضب: الغصون.

<<  <  ج: ص:  >  >>