للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت هذه الصورة التي رسمها حمزة للحمار تبدو في غاية الجمال في الظاهر والباطن، وفي العواطف والإدراك فإن صورة “ حماره ” تبدو أكثر جمالاً، فحماره “ نمط خاص ” بين الحمير ((لو كان إنساناً لكان مكانه بين من تشتغل الدنيا بذكرهم من العظماء والفنانين ظاهراً مرموقاً)) (١) .

يأنس لصاحبه، فيتلقاه بابتسامة فاتنة، وما أن يبدأ حمزة يداعب أذني حماره، كما يداعب الأب ابنه، يأخذ صدر الحمار في العلو والانخفاض، وإطلاق الشهقات الحارة تأثراً بتلك العواطف الجيّاشة (٢) .

وحين امتطى حمزة الحمار أحس بنزوعه إلى الاستقلال، ومهارته في المشي ووجاهة تصرفاته، ودقة تقديراته لمسالك الطريق، حيث كانت حمير القوم تتجه يميناً، ويأبى هو إلاّ أن يخالفها فيختصر ربع الطريق بعمق خبرته مع حداثة سنه (٣)

وينشأ بين حمزة وحماره “ توافق سيكلوجي ” و “ حدس ” يقرأ به كل واحدٍ أفكار صاحبه، فإذا كان حمزة مُحباً للطبيعة، عاشقاً لمكوناتها الجمالية عشقاً خاصاً، فإن حماره يملك هذا الحس الجمالي المتفرد، ولهذا حين صاح بعض رفاق حمزة في الرحلة قائلاً وصلنا، ثم ترجل عن حماره، رفض حمار حمزة الوقوف، وأوغل بين الجبال حتى انفرجت تلك الراسيات عن صخور يتفجر منها الماء، وتجللها الأعشاب، ويعطرها الشذى الفواح، وتكسوها السكينة بأردية من السحر والجمال (٤) .

وظل حمزة يراقب الحمير، فرأى الحمير البدوية منصرفة عن جمال الطبيعة؛ بسببٍ من الألفة الطويلة التي أطفأت جذوة الإحساس بالجمال، أما حماره فكان ((متنبهاً لدقائق واديه الفتان، وكانت تدور في رأسه خواطر وتتجلى في نظراته النشوى معان لعلها من خير الشعر وأروعه، لو كان إلى تصويرها من سبيل)) (٥) .


(١) حمار حمزة شحاتة ص ٣١.
(٢) المرجع نفسه ص ٣٢.
(٣) نفسه ص ٣٣.
(٤) نفسه ص ٣٦.
(٥) نفسه ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>