للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو جم التواضع، يتنكر لذاته، شبيه بالإنسان في كماله البشري من حيث الأخلاق والمزاج النفسي، ولا يمكن أن تجتمع فيه هذه الفضائل الثابتة، مع رذائل ألصقها به بنو آدم.

وفيه خفّة، وفي حركاته حلاوة، وفي نظراته معانٍ تفيض بالعذوبة. “ ديموقراطيٌّ ” منصرفٌ عن الخيلاء، مطيع لراكبه الذي يصادر إرادته، ويجهده ويفسد تقاليده وآدابه (١) .

أما صوته فهو منكرٌ بمقاييس “ النعومة والاعتدال ” إذا جعلناها كل مقومات الصوت الحسن، أما حين نحكم في صوته “ الذوق الجديد ” الذي يُعنى بالقدرة الفنية على التنويع والتأليف، وإحكام النسب وتحريرها ويعد النعومة أنوثة لا تليق بفن إنساني يقود العواطف والأفكار كالغناء سلكناه في طليعة الموسيقيين الموهوبين (٢) .

وهو في غنائه ذو ذوق رفيع، فلا يغني إلاّ إذا كان المجال مهيئاً له، بخلاف الإنسان الذي يقوده خياله المريض للغناء في كل وقت (٣) .

وبمقتضى “ النهج الجديد ” في نقد الأصوات يصبح نهيق الحمار أو غناؤه كما يعبر حمزة شعراً يأمن فيه صاحبه من اللحن وتشويه الألفاظ، ومسخ المعاني، وتترامى “ شعرية الصوت ” إلى “ شاعرية الإدراك ” فالحمار من أكثر الحيوانات ولعاً بالطبيعة وشعوراً بمفاتنها، وهذا دليل شاعريته (٤) .

ونحن حين نتأمل صورة الحمار في الفكر الشعري نجدها لا ترد إلاّ في سياق الطبيعة الحافلة بمعاني الخصب والحياة، حتى إذا صوّح النبت واشتد الحرّ عليه ساق أتنه، واتجه إلى موارد المياه بحثاً عن شربة ماء يطفىء بها عطشه (٥) .


(١) نفسه ص ٢٩.
(٢) نفسه ص ٣٠.
(٣) نفسه ص ٣٠.
(٤) نفسه ص ٣١.
(٥) الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري - دراسة في أصولها وتطورها، الدكتور: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط١، ١٩٨٠ م، ص ١٣٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>