للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن عبقرية حمزة شحاتة تكمن في “ لغة الهدم ” كما يقول، فقد عمد إلى أماكن جميلة، كالوطن، والمدينة، والبيت، والمدرسة، فجعل من الجميل “ قبيحاً ” ونحن بلاشك نختلف معه في هذه الرؤية السوداوية القاتمة، ولكن الفن إنما يكون فناً بقدرته على التأثير، حيث يقلب الفنان معادلات الأشياء، ويشكك في الإلف - في أمور يمكن أن نقبل فيها الشك بالطبع وليس في مسلمات دينية ثابتة - ليرينا الأشياء من زاوية أخرى قد نختلف معها ونمقتها، لكننا نؤكد عبقريته وتفرّده، وإذا كان الفنان يمكن أن يجعل من القبيح جميلاً كما ذهب تين وغيره من فلاسفة الجمال، فإنه يمكن أن يجعل من الجميل قبيحاً، والاتفاق والاختلاف مع الفنان في مواقفه شيء، وتقدير فنّه شيء آخر، مع إيماننا بأصالة الفن أولاً، وحقنا في الاختلاف معه بعد تقدير الإبداع فيه (١) .

المكان في الفلسفة الجماليّة عند حمزة شحاتة ذو “ معطى سلبي ” في الغالب الأعم، إلا في صورة الوطن حيث يتوازى معطيان “ إيجابي وسلبي ” يتفوّق أحدهما على الآخر بسبب من “ العلاقة التبادلية ” بين الوطن والمواطن، فالوطن والمواطنة حقوق وواجبات، متى أحس المواطن بوجوده وانتمائه وحصل على حقوقه كاملة كانت المواطنة الحقة، وحين تختل هذه المعادلة تذبل العلاقة، وتظهر الصورة الكابية والمعطى السلبي للمكان، فلا يجد المواطن لدلالة الوطن معنى في نفسه.

أما الأماكن الأخرى “ المدينة - البيت - المدرسة ” فكلها ذات معطيات سلبيّة. المدينة شريعة غاب، تموت فيها العلاقات الإنسانية، وتتخشب المشاعر، وتتوقف الإثارة.

و“ البيت ” مدار للقمع والتفاهات، والمدرسة عالمٌ مليء بالأكاذيب، وملاذ للنعاس الثقيل، ومعامل لتفريخ الأذهان الصدئة، والأفكار البليدة.


(١) مبادي في نظرية الشعر والجمال ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>