للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن البيت حلم لا ينقطع، يولد به الإنسان، ويحمل عنه الذكريات، ويظل حلمه عن البيت القديم، وما أن يستقر به القرار حتى يلوح في خياله “ بيت التراب ” القبر الذي يظل شغله الشاغل حتى يوارى بالتراب.

والبيت ليس بجدرانه وغرفه وألوانه، وإنما بمشاعر صاحبه، وأحاسيس قاطنيه، ولهذا تتولد العلاقة بين البيت والإنسان من خلال تلك الأحاسيس، فيكون ملاذاً للتفاهات، والتفتت كما عند حمزة شحاتة، أو يكون نبعاً للمشاعر الفياضة يقول باشيلار: ((إن عمل ربة البيت في تنظيم قطع الأثاث في الحجرة، والانتقال من هذه الحجرة إلى تلك ينسج علاقات توجد ماضياً قديماً جداً مع عهد جديد، إن ربّة البيت توقظ قطع الأثاث من نومها)) (١) .

وهذه الصورة الكابية للبيت عند حمزة شحاتة نتيجة لعلاقة خاصة به، فالبيت كان العالم الذي جرّب البحث فيه حمزة عن السعادة فلم يجدها من خلال ثلاث زيجات انتهت كلها بالفشل. كان ((الزواج الأول غلطة، والثاني حماقة، أما الثالث فإنه انتحار)) (٢) .

٢ - المدرسة:

المدرسة هي القابلة الثانية بعد “ البيت ”، تترسخ فيها قيم البيت، أو تنشأ فيها إشكالية الازدواج بين المفاهيم والممارسات.

المدرسة تُعلم الفضائل من صدق، وعفّة، ورحمة، وصبر، وحلم، وتضرب النماذج على ذلك كله في كتب الدين والتاريخ والأخلاق، لكن هذا التعليم النظري يصطدم بالواقع، فالطفل يرى أستاذه يكذب، ويخاف، ويرى أباه وأمه يكذبان، ولا ينجو من عقاب الجميع إلا باصطناع الأكاذيب، وهنا تتكشف الحياة عن ازدواجية بين مُثُل البيت والمدرسة وواقع الممارسة فيهما، يرى من يقول شيئاً، ويفعل ضدّه، ومن يخاف القانون، ولا يخشى تأنيب الضمير فتنشأ عقدة عصبية أخرى (٣) .


(١) جماليات المكان ص ٨٣.
(٢) رفات عقل ص ٩٥.
(٣) الرجولة عماد الخلق الفاضل ص ٨٩، ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>