للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع كل ما تقدم، وسواء أكانت هذه الهاء ناتجة عن حذف آخر الكلمة كما ذهب إبراهيم أنيس أم أنها وسيلة لإغلاق المقطع كما أشار عبد الصبور شاهين، أم أنها ناتجة عن سرعة الأداء والحرص عليها في اللهجات البدوية، ورغم كل ما سبق، فإننا لا نعدم أن نجد في اللهجات العربية القديمة عكس ذلك أيضاً.

إبدال الهاء:

ومن الخصائص الصوتية للهاء ظاهرة الإبدال، وهي إبدال الهاء من غيرها وإبدال غيرها منها أي إحلالها محل صوت آخر، وإحلال صوت محلها. وهذه الظاهرة ليست خاصة بالهاء دون غيرها، بل تشترك فيها معظم أصوات العربية. قال ابن فارس: "من سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض (٨٨) " وهذا الحكم يكاد يكون عاماً في الأصوات العربية "فقلما نجد حرفاً إلاّ وقد جاء فيه البدل ولو نادراً (٨٩) "، وهذه الظاهرة ناتجة عن اختلاف اللهجات العربية، إذ لم يصل إلينا أن قبيلة واحدة أبدلت صوتاً من صوت آخر هكذا دونما سبب. قال أبو الطيب اللغوي: "ليس المراد بالإبدال أن العرب تتعمد تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، تتقارب اللفظتان في لغتين لمعنى واحد، حتى لا يختلفا إلاّ في حرف واحد، والدليل على ذلك أن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة، وطوراً غير مهموزة، لا بالصاد مرة وبالسين أخرى، وكذلك إبدال لام التعريف ميماً، والهمزة المصدرة عيناً، كقولهم في نحو: أَنْ عَنْ، لاتشترك العرب في شيء من ذلك، إنما يقول هذا قوم وذاك آخرون ... (٩٠) . ولعل السبب في ظهور ظاهرة الإبدال هذه في العربية هو أن الرواة والعلماء الذين جمعوا العربية لم يقصروا جمعهم لها على قبيلة واحدة، بل جمعوها من قبائل عدة، وكانوا حريصين كل الحرص على عدم التفريط بأي لفظ من الألفاظ، لإيمانهم بقدسية العربية، وقناعتهم بوجوب المحافظة على كل ألفاظها.

<<  <  ج: ص:  >  >>