من هنا يمكن القول أن هذه "الهاء" التي تنطق حينا بالتاء، وحيناً آخر بالهاء، والتي ذهب علماؤنا القدماء أنها تبدل من التاء عند الوقف. ويمكن القول أن السبب في كل هذا اختلاف لهجي؛ يؤكد صحة هذا الفرض وجود بعض القبائل كقبيلة طيء يقلب التاء هاء في جمع المؤنث السالم. فقد روي عنهم أنهم يقولون: دفن البناه من المكرماه، وكيف الأخوة والأخواه" وقد جاءت بدلاً من تاء التانيث في الحرف شاذاً، قالوا: لاه (٨٤) ". وربما كانت هذه الظاهرة سمة من سمات اللهجات البدوية التي تهتم بسرعة الأداء وكل ما يمكنها من ذلك. يؤكد ذلك ما رواه أبو زيد في نوادره فقال:"سمعت أعرابياً من أهل العالية يقول هوَ لَكَهْ وعَلَيْكَهْ يريد هو لك وعليك، وجعل الله البركة في دارِكَهْ هذا في الوقف ويلقيها في الأدراج، وسمعت نميرياً يقول ما أحسن وجهكَهْ في الوقف، وما أكرم حسبكَهْ في الوقف ويطرحها في الإدراج (٨٥) ". من كل ما سبق يمكن القول "أن الوقف بهاء السكت من سمات اللهجات البدوية، ولا تزال هذه الظاهرة مستمرة في لهجات أهل اليمن، إذ يقولون: "لمه؟ " يريدون لماذا؟ و "علامه؟ " يريدون على ماذا؟ و "هُنَّهْ" يريدون "هُنَّ (٨٦)". أما إبراهيم أنيس فقد رأى أن هذه الظاهرة ناتجة عن استمرار الهواء في النطق فقال: "ليست هذه الظاهرة في الحقيقة قلب صوت إلى آخر، بل هي حذف الآخر من الكلمة، وماظنه القدماء "هاء" متطرفة هو في الواقع امتداد في النفس حين الوقوف على صوت اللين الطويل، أو كما يسمى عند القدماء ألف المدّ وهي نفس الظاهرة التي شاعت في الأسماء المؤنثة المفردة التي تنتهي بما يسمى بالتاء المربوطة، فليس يوقف عليها بالهاء كما ظن النحاة، بل يحذف آخرها، ويمتد التنفس بما قبلها من صوت لين قصير "الفتحة" فيخيل السامع أنها تنتهي بالهاء (٨٧) ".