للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَرى ابنُ خَروف أَنَّ في عِبَارَةِ سِيْبَوَيْه غُمُوضاً (١) ، وهذا هو الحَاصِلُ، فعِبَارَةُ سِيْبَوَيْه تَحْتَمِلُ الرَّأْيَيْن، قالَ في كِتابِه (٢) : " وإِذا قالَ: (عَبْدُ اللهِ نِعْمَ الرَّجُلُ) فهو بمَنْزِلَةِ: (عَبْدُ اللهِ ذَهَبَ أَخُوه) ،كَأَنَّه قَالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ) فقِيْلَ لَه: مَنْ هو؟ فقالَ: (عَبْدُ اللهِ) ، وإذا قالَ: (عَبْدُ اللهِ) فكَأَنَّه قيلَ له: مَا شَأْنُه؟ فقالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ ".

فإِذا أَرَدْتَ المَعْنى العامَّ لِنَصِّ سِيْبَوَيْه فرَأْيُه مَا ذَهَبَ إليه ابنُ الباذِش، وإِذا أَرَدْتَ أَنْ تُفَسِّرَ كَلامَ سِيْبَوَيْه مَقْطَعِيّاً، فالمَقْطَعُ الثانِي مِنْ كَلامِه يَدُلُّ عَلى ما ذَهَبَ إليه الجُمْهورُ، وهو قَوْلُه: " كَأَنَّه قالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ) ،فقِيلَ له: مَنْ هو؟ فقالَ: عَبْدُ اللهِ "، فالمَعْنى عَلى أَنَّ التَّقْديرَ: هو عَبْدُ اللهِ.

ونَقَلَ لَنا أبو حَيَّانَ اسْتِدلالَ ابنِ الباذِش عَلى مَذْهَبِه، فذَكَرَ أنّه اسْتَدَلَّ بوَجْهَيْن (٣) :

الأوَّلِ: جَوازُ حَذْفِ المَخْصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالى: "نِعْمَ العَبْدُ " فحُذِفَ للعِلْمِ، ولَوْ كَانَ مُبْتَدأ مَحْذُوفَ الخَبَرِ أو عَكْسَه للزِمَ مِنْ ذلكَ حَذْفُ الجُمْلَةِ بأَسْرِها، والعَرَبُ لا تَفْعَلُ ذلك.

الثانِي: إِنَّ جَعْلَ جُمْلَةِ المَدْحِ جُمْلَتَيْن يُؤَدِّي إلى ارْتِبَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ رَابِطٍ؛ لأنَّ (نِعْمَ الرَّجُلُ) جُمْلَةٌ، و (زَيْدٌ) المَمَدُوحُ جُمْلَةٌ، ولا تَعَلُّقَ بَينَهما بِخِلافِ المَذْهَبِ الذي يَجْعَلُ جُمْلَةَ المَدْحِ جُمْلَةً وَاحِدَةً.

وفي هذه المَسْأَلَةِ رَأيان آخَران:


(١) انظر شرح جمل الزجاجي لابن خروف٥٩٤.
(٢) الكتاب ٢/١٧٦.
(٣) انظر النكت الحسان ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>