ومَا أَرَاهُ أنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَتَّصِلُ بِهِ كَافُ الخِطَابِ لِتُبَيِّنَ حَالَ المُشارِ إِلَيْهِ لا لِتُبَيِّنَ حالَ المُخَاطَبِ فَقَط، فأَنْتَ تَقُوْلُ: (ذلكَ رَجُلٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّساءِ،وتَقُولُ: (ذلكَ أَمُرٌ عَظيمٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ، فَلَوْ كَانَتْ الكَافُ تُبَيِّنُ أَحْوالَ المُخَاطَبِ فقط لَقُلتَ في الأولى: (ذلكُنَّ رَجُلٌ) ، وفي الثانِيَةِ: (ذلكُمْ أَمْرٌ عَظيمٌ) ،وكُلُّ هذا جَائِزٌ،ولكنَّكَ تَقولُهُ لدَلالَةٍ مُعَيَّنَةٍ في لُغَةِ العَرَبِ، ولا أَرَى أَمْرَ هاتَيْن الآيَتَيْن يَخْتَلِفُ عَنْ قَوْلِه تَعَالى: (ذلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِر اللهِ ( {الحج ٣٢} ، وقوله تعالى: (هذا فَلْيَذُوْقُوْهُ حَمِيْمٌ وغَسَّاق ( {ص ٥٧} ، فلا يُوجَدُ مُشَارٌ إليه ظَاهِرٌ في هاتَيْن الآيَتَيْن؛ ولِذلكَ ذَهَبَ النُّحَاةُ هُنا إلى التَّأْوِيلِ بِأَنْ قالوا: خَبَرٌ لمُبْتَدأ مَحْذُوفٍ،أو مُبْتَدأ وخَبَرُه مَحْذوفٌ، وقَدَّرُوا المَحْذُوفَ ب (الأمر) ،فالأغْلَبُ عِنْدي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ في الآيَتَيْن -مَوْضِعِ الخِلافِ-:ذلكَ الأمْرُ يُوعَظُ بِه، وذلكُمْ الأمْرُ يُوعَظُ بِه،فكَافُ الخِطَابِ لا تَتَعَلقُ بحالِ المُخَاطَبِ، وإِنَّما ببَيانِ حَالِ المُشَارِ إليه، أَمَّا السَّبَبُ في الإفْرَادِ في الأولى والجَمْعِ في الثانِيَةِ فهو يَعُودُ إلى قِيمَةٍ بَلاغِيَّةٍ، فإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْظِيمِ المُشارِ إِليهِ في مَوْضِع دونَ الآخَرِ، وهو مَا أَشَارَ إليه ابنُ الباذِشِ في تأويلِهِ الأوّل،وأَرَاه صَواباً، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُ اسْمِ الإشَارَةِ في هذِه الآياتِ للرَّبْطِ،والمَقصُودُ بِهِ رَبْطُ الَّلاحِقِ بالسَّابِقِ في ذِهْنِ السَّامِعِ،ولا أَرَى حَاجَةً إلى التَّأويلِ في هذا المَوْضِعِ؛ لأنَّ المَعْنى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute