وممن اعتمد السماع والمشافهة الجوهريّ في (الصحاح) ؛ إذ ألزم نفسه ما صحّ عنده رواية ودراية ومشافهة للعرب في البادية وخاصة في الحجاز وربيعة ومضر إذ يقول:((فإني قد أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم بالبادية. ولم آل في ذلك نصحاً ولا ادخرت وسعاً)) (٤١) .
الآخر: الرواية النقليّة ويعدّ هذا الأسلوب من الرواية مما يميّز المعاجم اللغويّة بصفة عامة حيث نلحظ أن اللاحق يروي عن السابق، وقد أشار ابن دريد إلى هذه التبعيّة؛ إذ يقول في مقدمة كتابه (جمهرة اللغة) عن الخليل وكتاب (العين) : ((وكل مَنْ بعده له تَبَعٌ أقرّ بذلك أم جحد ولكنه رحمه الله ألّف كتاباً مشكلاً لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدّة أذهان أهل عصره)) (٤٢) .
ولعل هذا ما دفع أحد خصوم ابن دريد إلى إنكار كتاب (الجمهرة) بحجة أنّه كتاب (العين) ؛ إلا أنه قد غيّره. (٤٣)
وأول من اعتمد الرواية عن السابقين اعتماداً كلياً- فيما نعلم - القالي (٣٥٦هـ) في كتابه (البارع في اللغة) وإنّ من الطرائف التي ذكرها محققه هو أن كتاب (البارع) ما هو إلا كتاب (العين) للخليل بن أحمد؛ لشدة التشابه بينهما. (٤٤)
وهكذا ظلّ أصحاب معاجم الألفاظ يعتمدون في جمع مادتهم المعجميّة على الرّواية النقليّة عن السابقين حتى رأينا ذلك واضحاً جلياً عند المتأخرين منهم خاصة كصاحب (المقاييس) وصاحب (اللسان) وصاحب (التّاج) فقد ذكر الأول أنّه اعتمد في جمع مادته المعجمية على خمسة كتب هي: كتاب العين للخليل، وإصلاح المنطق لابن السّكيّت، والجمهرة لابن در يد، وغريب الحديث، ومصنّف الحديث لأبى عبيد، حيث يقول في مقدمته:
((فهذه الكتب معتمدنا فيما استنبطناه من مقاييس اللغة وما بعد هذه الكتب فمحمول عليها وراجع إليها)) (٤٥) .