ويحكي لنا اللّيث بن المظفر (١٨٠هـ) قصة هذا النظام، فيقول:((كنت أصير إلى الخليل بن أحمد فقال لي يوماً:لو أن إنساناً قصد وألّف حروف ألف، وباء، وتاء، وثاء على أمثلة لاستوعب في ذلك جميع كلام العرب فتهيأ له أصل لا يخرج عنه شيء منه بتة، قال: فقلت له وكيف يكون ذلك؟ قال: يؤلّفه على الثنائيّ، والثلاثيّ، والرباعيّ، والخماسيّ وأنّه ليس يُعْرَفُ للعرب كلامٌ أكثرُ منه. قال الليث: فجعلت أستفهمه ويصف لي ولا أقف على ما يصف فاختلفت إليه في هذا المعنى أياماً؛ ثم اعتلّ وحججت فما زلت مشفقاً عليه وخشيت أن يموت في علته فيبطل ما كان يشرحه لي فرجعت من الحج وصرت إليه فإذا هو قد ألّف الحروف كلّها على مافي صدر هذا الكتاب، فكان يملي علىّ ما يحفظ، وما شكّ فيه يقول لي: سل عنه فإذا صحّ فأثبته إلى أن عملت الكتاب)) (٣٦) .
وخلاصة هذا النظام الذي توصل إليه الخليل بن أحمد - رحمه الله - في حصر المفردات، أنّه يقوم على ثلاثة أسس هي:
١-الترتيب الصوتيّ الذي يعتمد على مخارج الأصوات.
٢- تقليب المادة الواحدة ليتكون منها عدّة صور.
٣-اتباع نظام الأبنية من ثنائيّ وثلاثيّ ورباعيّ وخماسيّ. كما سنبينه في موضعه إن شاء الله.
الثانية: طريقة الإحصاء النّاقص بُغْيَةَ الاقتصار على بعض مفردات اللغة واختيارها دون غيرها، وأول من نهج هذا المنهج ابن در يد في كتابه (جمهرة اللغة) حيث قال في مقدمته: ((هذا كتاب جمهرة الكلام واللغة ومعرفة جمل منها تؤدي الناظر فيها إلى معظمها إن شاء الله ... وإنما أعرناه هذا الاسم؛ لأنّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب وأرجأنا الوحشيّ المستنكر والله المرشد للصواب)) (٣٧) .
وممن سلك هذا المسلك الجوهريّ في صحاحه؛ إذ يقول في مقدمته أيضاً:((أما بعد فإني أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة، التي شرف الله منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها)) (٣٨)