ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى فإن وجد فيه ما يقضي به قضى، وإذا لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون، قضى فيه بكذا وكذا فإن لم يجد سنة سنها النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به ( [٩٤] ) .
وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك ( [٩٥] ) .
واجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم في المسائل والأحداث كان يتبعه اختلاف أو اتفاق فالاختلاف في الرأي نتيجة حتمية للاجتهاد واختلاف الصحابة - رضوان الله عليهم - في الاجتهاد يرجع إلى أسباب وهذه الأسباب قد أشار إليها الدكتور عبد الكريم زيدان فقال:((يرجع اختلاف الفقهاء في هذا العصر إلى جملة أسباب نذكر منها ما يلي:
أولاً: اختلافهم بسبب علم البعض بالسنة وعدم علم البعض الآخر.
ثانياً: اختلافهم بسبب عدم وثوقهم بالسنة فقد يجهل أحدهم السنة فإذا رويت له ربما لا يطمئن بروايتها ولا يثق براويها لأي سبب كان فلا يأخذ بها فمن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يثق بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حيث قالت إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرض لها نفقة ولا سكنى لما طلقها زوجها بائناً.
ثالثاً: اختلافهم بسبب اختلافهم في فهم النصوص فمن ذلك اختلافهم في العدة هل هي ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات ومرد اختلافهم إلى المقصود بكلمة القرء.
رابعاً: اختلافهم بسبب الاجتهاد فيما لا نص فيه)) ( [٩٦] ) .
واجتهادهم في ذلك العصر كان يقوم على أساس واقعي فقد اقتصر اجتهادهم على الحوادث التي وقعت فعلاً فلا اجتهاد عندهم على الوقائع الافتراضية.