وهذا التوجيه النبوي الكريم طبقه الصحابة - رضوان الله عليهم - فكانوا يجتهدون في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلى الله عليه وسلم - يقرهم على ذلك إذا أصابوا ويُبين لهم الأولى إذا خالفوا الصواب.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا لما رجع من الأحزاب:((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحداً منهم)) ( [٩٣] ) ولهذا لما انقضى عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تم فيه التشريع الإلهي في الكتاب والسنة وتم الأصلان العظيمان اللذان يرجع إليهما وبدأ عصر الصحابة رضوان الله عليهم وبدأ الفقه بالنمو والاتساع فقد واجه الصحابة وقائع وأحداثاً ما كان لهم بها عهد في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لابد من معرفة حكم الله فيها كما أن الفتوحات الإسلامية وما ترتب عليها من ظهور قضايا ومسائل جديدة استلزمت معرفة حكم الشرع فيها لهذا قام الصحابة بمهمة التعرف على أحكام هذه المسائل والوقائع الجديدة فاجتهدوا واستعملوا آراءَ هم على ضوء قواعد الشريعة ومبادئها العامة ومعرفتهم بمقاصد الشريعة وهكذا استطاع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يواكبوا تلك الأحداث والوقائع وأن يستنبطوا لها الأحكام وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا فيهما الحكم تحولوا إلى الاجتهاد واعملوا ما أداهم إليه اجتهادهم.
وهذا المنهج يظهر في تطبيقات الصديق والفاروق وابن مسعود وغيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -