ولكن السمة الغالبة على هذه الفترة كانت الخضوع التام والتبعية الكاملة للمنطق في كافة البحوث النحوية، ويظهر أثر ذلك بإلقاء نظرة فاحصة على النتاج الثقافي اللغوي والنحوي منه بصفة خاصة، وقد رأينا كيف دفع ذلك ابن جنى إلى تقسيم الظواهر اللغوية إلى أربعة أقسام لا وجود لها في الواقع اللغوي، لكن القسمة العقلية المنطقية تقتضي ذلك حتى أننا نجده يذكر لنا النوع الرابع الشاذ قياساً وسماعاً ويذكر له بعض الكلمات القليلة وينسبها إلى بعض البغداديين ولم يسمّ أحداً منهم، ولست أدرى كيف يكون من اللغة ذلك الشاذ في القياس والسماع كليهما، وكيف يعد قسماً من أقسام الظواهر اللغوية؟!
... وقد عقد الدكتور أبو المكارم في كتابه" تقويم الفكر النحوي " فصلاً كاملاً تناول فيه صور التأثير الإغريقي في النحو العربي، ويهمنا هنا ما يتعلق بمادة هذا البحث، وهو التأثير الإغريقي في مجال القياس، فيقول:
" وتتجلي تلك التبعية وهذا الالتزام في امتداد خصائص القياس النحوي في هذه المرحلة عن الخصائص المميزة للقياس المنطقي "(١) .