للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا له: وكذلك له رضا ومحبة ورحمة لاتشبه رضا المخلوق أو محبته أو رحمته، فإن أثبت ما أثبت لكونها لا تماثل صفات المخلوقين؛ فقل مثل ذلك في الرضا، ونحوها من الصفات التي نفيتها (١) ، فيلزمكم فيما نفيتم من الرضا ونحوها نظير ما أثبتموه من الإرادة والعلم وغيرهما.

فإمَّا أن تعطلوا الجميع، وهذا ممتنع، وإمَّا أن تمثلوه بالمخلوقات، وهو ممتنع، وإمَّا أن تثبتوا الجميع على وجه يختص به لا يماثله فيه غيره.

وحينئذٍ لا فرق بين صفة وصفة من حيث الإثبات، فإثبات إحداهما ونفي الأخرى فراراً من التشبيه والتجسيم قول باطل يلزم منه التفريق بين المتماثلات، والتناقض في المقالتين (٢) .

ويقال لهم كذلك: ما مرادكم بالجسم؟ أتريدون بالجسم البدن المكون من المادة والصورة؟ ، فهذا لايطلق على الله - تعالى - أو تريدون ما يسمى بأسماء، ويوصف بصفات، فالله - عزّوجل - وصف نفسه بالرضا وغيرها من الصفات ووصفه بها أعلم الخلق به محمد - (-.

فإن قال: إن العقل يدل على إثبات العلم، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والقدرة، والكلام دون الرضا وغيرها من الصفات.

قلنا: الجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: أن دلالة العقل على ما تقول لايستلزم عدم الدليل على إثبات الرضا، وغيرها من الصفات.

فلو أن العقل لم يثبت ما نفيته فإنه لاينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل؛ لأن النافي عليه الدليل على ما نفاه، كما أن على المثبت الدليل على ما أثبته، فيجب إثبات ما نفيته لثبوته بالدليل السمعي، مثل قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (٣) .

الثاني: أنه يُمكن إقامة الدليل العقلي الذي أثبت به ما أثبت على إثبات صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت، فإذا دلّ الدليل العقلي على إثبات الإرادة والسمع والبصر وغيرها مِمَّا أثبت وهو سالم عن المعارض فإنه يثبت أيضاً صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت من غير دليل سمعي ولا عقلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>