وذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رضي الله عنه - إلى أن الله - عزّوجل - يغضب ويرضى، وأن له غضب ورضى، وقرأ أحمد قوله - عزّوجل -: {وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}(١){ ... والغضب والرضا صفتان له من صفات نفسه، لم يزل غاضباً على ما سبق في علمه أنه يكون ممن يعصيه، ولم يزل راضياً على ما سبق في علمه أنه يكون مِمَّا يرضيه}(٢) .
رابعاً: دلالة المعقول على صفة الرضا، وذلك من وجهين:
الأول: إن الرضا صفة كمال، ونفيها نقص، والله - سبحانه وتعالى - لاتضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه كما قال - سبحانه -: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(٣) ، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى؛ كما أخبرنا بذلك في قوله - سبحانه -: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(٤) ، وقال - سبحانه -: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(٥) .
فلايجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى؛ وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال وهو يليق بالله فالله أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالله أولى بالتنزه عنه (٦) ، فإذا كان اتصاف المخلوق بالرضا كمال ونفيه عنه نقص، فالله - سبحانه وتعالى - أولى أن يتصف بالكمال ولايعطل منه؛ لأن تعطيل الكمال عنه وصف له بالنقص.