للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحروف المشبهة بـ "ليس"] :

في ما ولا ولات وإن المعملات عمل ليس تشبيها بها١.


وجه الاستشهاد: حذف نون "لكن" التي لو ذكرت، لكانت متحركة بالكسر؛ لالتقاء الساكنين: سكون نونها، وسكون السين في "اسقني"، وحذفها هنا نظير حذف النون من "يكن" إذا وليها ساكن، ورأينا أن الجمهور يعدون حذفها ضرورة؛ لأنها متحصنة بحركة الكسر العارضة عن الحذف، ولأن "النون" حذفت وهي ساكنة؛ لضعف الحرف الساكن، مع ضعفها نفسها وشبهها بأحرف اللين التي تحذف في الجزم، وأما يونس فلم يعتدَّ بهذا التحرك العارض؛ بسبب التقاء الساكنين، ويزعم بأن الحركة التي يقوى بها الحرف، ويتحصن بها من الحذف الحركة الأصلية.
فائدتان: "أ": إذا دخلت أداة النفي على فعل من النواسخ المتقدمة غير زال وأخواتها فالمنفي هو الخبر، فإذا قلت: ما كان العدو خائفا وقع النفي على الخوف، فإذا أريد نفي الاسم، وإيجاب الخبر لغرض بلاغي، كالحصر مثلا، أتى بكلمة "إلا" فتقول: ما كان العدو إلا خائفا.
ب: إذا كان خبر الناسخ منفيا، جاز دخول حرف الجر الزائد عليه، تقول: ما كان محمد بِمُتَّهم، فمُتَّهم خبر كان مجرور لفظا بالباء الزائدة، وفي محل نصب؛ لأنه خبر، وهذا عام في جميع أخبار النواسخ المنفية. إلا زال وأخواتها؛ لأن أخبارها موجبة. ضياء السالك: ١/ ٢٣٥.
١ من حق الحرف المشترك بين الأسماء والأفعال أن يكون مهملا، كما بينا سابقا، ولكن شبهة هذين الحرفين بـ "ليس" جعل العرب يعملونهما عمل "ليس" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر. "وما" أشبهت ليس في ثلاثة أمور:
أحدها: أنها تدل على النفي، كما أن ليس تدل على النفي، وليس الأمر قاصرا على هذه الدلالة، بل هو أقوى من مجرد الدلالة على النفي، فإن "ما" تدل على النفي في الحال كما أن "ليس" تدل على النفي في الحال.
الثاني: أنَّا وجدنا "ما" تدخل على المبتدأ والخبر كما أن ليس تدخل عليهما.
الثالث: أنَّا وجدنا الخبر الواقع بعد "ما" يقترن به الباء الزائدة، كما في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون} ، وكما قال الشاعر:
لعمرك ما معنٌ بتاركِ حقِّهِ
كما أن خبر المبتدأ الواقع بعد ليس، يقترن بهذه الباء كما في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه} ، فلما أشبهت "ما" ليس هذه الشبه القوي، عملت عملها، فرفعت الاسم ونصب الخبر، وإعمال "ما" عمل "ليس" ليس قياسا، وإنما هو استقراء لكلام العرب، وذلك أن القياس في اللغة يمتنع في مدلولات الألفاظ ومعانيها، ومعنى هذا أن نجدهم سموا شيئا ما باسم "ما" لعلة تقتضي هذه التسمية، فنجد هذه العلة موجودة في شيء آخر، فنسميه بهذا الاسم، فأما في الأحكام الإعرابية فلا.
الأشموني مع حاشية الصبان: ١/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>