وكذلك المتكلمون١: كُلُّهم متّفقون على إثبات الحكمة في مخلوقاته، وإن كانوا في الإرادة، وفعله لغاية، متنازعين؛ وذلك مثلما في خلق الإنسان. وأدنى ذلك أنّ العين، والفم، والأذن فيها مياه ورطوبة؛ فماء العين مالح، وماء الفم عذب، وماء الأذن مُرّ.
فإنّ العين شحمة، والملوحة تحفظها أن تذوب. وهذه أيضاً حكمة تمليح ماء البحر؛ فإن له سبباً وحكمةً؛ فسببه سبوخة أرضه وملوحتها؛ فهي توجب ملوحة مائه؛ وحكمتها أنّها تمنع نتن الماء بما يموت فيه من الحيتان العظيمة؛ فإنّه لولا ملوحة مائه لأنتن، ولو أنتن لفسد الهواء لملاقاته له، فهلك الناس بفساده، وإذا وقع أحياناً، قتل خلق كثير فإنّه يُفسد الهواء حتى يموت بسبب ذلك خلق كثير.
وماء الأذن مُرّ؛ ليمنع دخول الهوام إلى الأذن.
وماء الفم عذب؛ ليطيب به ما يأكله.
١ أهل الجدل والمناظرة، والمقصود بهم: الأشاعرة، والمعتزلة، والجهمية.