مفهوما، ووصفا في العلو والدنو والتوسط بينهما مرسوما.
ومنه قوله توقيع خطابة: وبعد، فإن صهوات المنابر لا تستقل بكل راكب، ولا تستقر إلا تحت كل فارس يزاحم شرف علمه الكواكب بالمناكب، ولا تذعن إلا لمن إذا امتطى أعوادها أطال في المعنى وأطاب، وإذا قال: أما بعد لم تختلف الآراء في أنه دل على الحكمة بفصل الخطاب، وإذا ذكر بأمر الله أصحب كل قلب جامح، وغض كل طرف طامح، ورد كل عبد عن طاعة ربه نازح، وأصغى من صغى منه إلى قول مشفق في الله صالح، وخرجت الموعظة منه على لسان صادق فلم تعد حبات القلوب، وتتبع كلامه أدواء الضمائر فشفاها، ولا داء أوجع من الذنوب، ووثقت النفوس في أنه قول إمام عصره فتلقته بالتسليم، وجلست العلماء تحته للاقتداء بفوائده، فكان على الحقيقة فوق كل ذي علم عليم؛ وأحق المنابر بارتياد من يصلح لاقتعاد غاربها، وأولاها بالصدود عمن برز في صورة خاطبها، ما كان من أعظمها رفعة، وأكرمها بقعة، وأفخمها جماعة وجمعة، وأقدمها شهرة في الآفاق وسمعة، وأعجبها بناء وأنباء، وأحملها عن أئمة الأمة أثقالا وأعباء، وأكثرها زجلا بالتلاوة والأذكار، وأعمرها بالقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار؛ ولما كان المسجد الجامع بدمشق المحروسة هو الذي زاحم الأرض المقدسة بمنكبيه، فلو كان للمساجد الثلاثة رابع لشدت إليه الرحال، وتحقق بالرفعة التي لا تسامى أن نور المشكاة تشرق من أرجائه فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ
«١» تعين أن نختار لها من هو رجل المنابر، وبطل المحابر، وهو فلان الذي شفت مواعظه القلوب وأثمرت بالتقى، واستلت سخائم الصدور، واستقرت من المصلي على النقا،