للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن العاجز من ظن أنه يصيب ولا يصاب، ولا يتخذ غير ظهر حصانه حصنا، فلا حرز أمنع من صهوة الجواد، ولا سلم أسلم من الركاب؛ وليعلم أن العاقبة للمتقين، ويدرع جنة الصبر ليكون من النصر على ثقة، ومن الظفر على يقين؛ فإن الله مع الصابرين، ومن كان الله معه كانت يده الطولى، وإذا لاقى عدو الله وعدوه فليصبر لحملته، فإن الصبر عند الصدمة الأولى؛ والله تعالى يكلؤه بعينه، ويمده بعونه، ويجعل الظفر على عدوه موقوفا على مطالبته له بدينه.

ومن قوله في مثله على الطريق المعتاد في ذم المهزوم:

هذه المكاتبة إلى فلان، أقاله الله عثرة زلته، وأقامه من حفرة ذلته، وتجاوز له عن كبير فراره من جمع عدوه على قلته؛ بلغنا أمر الواقعة التي لقي فيها العدو بجمع قليل غناؤه، ضعيف بناؤه، كثيف في رأي العين جمعه، خفيف في المعنى وقعه ونفعه، أسرع في مفارقة المحال من الطل في الانتقال، وأشبه في مماثلة الوجود بالعدم من طيف الخيال؛ يحفّون منه بقلب واجب، ويهتدون من تجريبه وتهذيبه برأي بينه وبين الصواب حاجب، ويأتمون منه بمقدم يرى الواحد ممن عدوه كألف، ويتسرعون منه وراء مقدم يمشي إلى الزحف ولكن إلى خلف، جناح جيشه مهيض، وطرف سنانه غضيض، وساقة عسكره ظالعة، وطلائعه كالنجوم ولكن في حال كونها راجعة، تأسف السيوف بيمينه على ضارب، وتأسى الجنائب حوله إذ تعد لمحارب فتغدو لهارب، وإنه حين وقعت العين على العين، وأيقن عدوه لما رآه من عدده وعدده بمعاجلة الحين، أعجل نصول العدى عن وصولها، وترك غنيمة الظفر لعداه بعد أن أشرف على حصولها، تناديه ألسنة الأسنّة الكرة الكرة، ولا يلتفت إلى ندائها، وتشكو له سيوفه الظمأ وقد رأت موارد الوريد فيعيدها إلي الغمود بدائها؛ فمنح عدوه مقاتل رجاله، وأباحهم كرائم مال جنده وماله، وخلى لهم خزائن سلاحه التي أعدها لقتالهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>