للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدره بارتحاله، وأن الرماح التي امتدت إليه أخرس سفه ألسنة اسنتها، والجياد التي قدمت عليه جعل طعنه أكفالها مكان أعنتها، فأثبت في مستنقع الموت رجله «١» ووقف وما في الموت شك لواقف «٢» ، ليحمي خيله ورجله، حتى يجيز أصحابه إلى فئة مأمنهم، وأقام نفسه دونهم دريئة لمن بدر من سرعان القوم أو ظهر من مكمنهم، وهذا هو الموقف الذي قام له مقام النصر إذ فاته النصر «٣» ، والمقام الذي أصيب فيه من أصحابه آحاد يدركهم أدنى العدد، فقد فيه من أعدائه مع ظهورهم ألوف لا يدركهم الحصر؛ وكذا فليكن قلب الجيش كالقلب، يقوى بقوته الجسد، وإذا حقق اللقاء فلا يفرعن كناسه إلا الظبي، ولا يحمي عرينه إلا الأسد، وما بقي إلا أن تعفو الكلوم وتثوب الحلوم، وتندمل الجراح، وتبرأ من قلوب المضارب صدور الصفاح، وتنهض لاقتضاء دين الدّنى من غرمائه المعتدين، وتبادر إلى استنجاز وعد الله، فإن الله يمحّص المؤمنين ويمحق الكافرين؛ والليث إذا جرح كان أشد لثباته، وأمد لوثباته؛ والموتور لا يصطلى بناره، والثائر لا يرهب الإقدام على المنون في طلب ثأره، والدهر ذو دول، والزمان متلون، إن دجت عليكم منه بالقهر ليلة واحدة، فقد أشرق لكم منه بالنصر ليال أول؛ فالمولى لا يلتفت إلى ما فات، ويقبل بفكره على تدبير ما هو آت، ويعد للحرب عدته، ويعجل أمد الاستظهار ومدته، ولا يؤخر فرصة الإمكان، ولا يعد ذكر ما مضى فإنه دخل في خبر كان، ولا يظهر بما جرى عجزا،

<<  <  ج: ص:  >  >>