ولقد تعقبت الأيام نقصها بإتمامها، ونقضها بإبرامها، ونسي نعي ميتها ببشرى حيها، ونشرت المكارم التي كانت طويت، فوفى أنس نشرها بوحشة طيها، وأصبح عزاء الناس مستدركا بالهناء، وعوضوا عن كنز الغنى بكنز الغناء، حتى استرجعت العبرات ما جادت به من سحاب مزنها، واستبدلت ببرد مسرتها من حرارة حزنها.
ومنه قوله في الحلم:
إذا حكمت قدرته في الذنوب كان العفو لها عاتقا، وإذا أحب الشفعاء أن يشفعوا إليه كان كرمه لهم سابقا، فلا بارقة في بوارقه إلا وهي مغشية بغمامة حلمه، ولا بادرة من بوادره إلا وهي محبوسة في قبضة كظمه؛ وعلى هذا فإن الجاني غير مقتصر لديه إلى إقامة الأعذار، ولا إلى التوبة التي تستر عورة الإصرار، فيوشك أنه تخلق بخلق الله سبحانه في عموم المغفرة، ورأى أن لا أثر يبقى في صدر المغيظ إذا تولت إذهابه يد المقدرة.
ومنه قوله في الخمر:
سقيت مغارسها بالسرور بدلا من الماء، وجمع لها بين وصفين من تذكير الأفعال وتأنيث الأسماء، وما سجنت في دنها إلا لما عندها من النفار، وكانت حمراء اللون فألبسها السجن ثوب الاصفرار، وقد شبهت بالنار الموسوية في تألق ضرامها، وبالنار الخليلية في بردها وسلامها، وإذا نظر إليها وإلى زجاجها أشكل الأمر بينها وبين الزجاج، وقيل: هذا سراج في كأس أم كأس في سراج؟