القرآنية واللغوية على من اعتمد هذا النَّوع من الكتب. فبقيت كتب هذا الفنّ كتب اختصاص، يقصدها من أراد تحقيق غاية معيَّنة وهي الإلمام بمعاني الكلمات القرآنية، في نسقها القرآني، واستحضار نظائرها بسرعة، فيعين ذلك حفَّاظ القرآن على امتلاكه لفظا ومعنى، مثلما امتلكوا المتشابه من لظفه مثلا عن طريق تجميع الآيات المتشابهة في مكان واحد.
وهذا ولا شكّ له أهميته في حفظ نوع معيَّن من التفسير، هو التفسير بالمأثور، ولكن يوجد إلى جانب ذلك في هذه الكتب شيء من السلبية إذ أنّ هذا النَّوع من التأليف يعتبر عاملا يقيّد الأفهام ويشدها إلى تلك المعاني المأثورة فيتحجَّر بذلك النَّص وتتضاءل فرص الإفادة منه.
ودليلنا على ذلك ما وجدنا في كتب الوجوه والنظائر ذاتها على مرّ العصور. فهي هي هي، لم تغيّر من معانيها إلا في القليل الذي لا يكاد يذكر. فمطالعة أقدم أثر في هذا الفنّ وأعني بذلك كتاب مقاتل وكتاب ابن سلاّم وكلاهما من القرن الثاني، تغني عن مطالعة أحدث ما وصلنا فيه وأعني بذلك كتاب ابن العماد الذي ظهر في القرن التاسع.
ولا أعتقد أنّ ملاحظة P. Nwyia صائبة عندما اعتبر مقاتل بن سليمان قد نظر إلى النص القرآني في كتاب الوجوه نظرة تركيبية شاملة. ذلك لأن ما لاحظناه من تشابه كبير بين كتاب مقاتل وكتاب ابن سلاّم، يدلّ على أنّ كتاب مقاتل مبنيّ على الرّواية وليس على الاجتهاد الفردي. أضف إلى ذلك أنّ التفاسير المذكورة في الكتاب، بالاستناد إلى ما جاء في كتاب ابن سلاّم، لم تُرو عن مفسّر واحد. فكيف يصحّ القول بالنظرة التركيبيَّة بهذا الاعتبار؟
إن هذا الذي ذكرناه يطرح المشكلة الكلاسيكية المعروفة من جديد: هل ينبغي أن نتقيَّد في التَّفسير بما أثر عن الأوائل، أو ينبغي أن نجتهد فيه الرأي؟ وبعبارة أخرى: هل ينبغي أن نقتصر في فهمنا للقرآن على المنهج الأثري، اللّغوي ونُغفل ما وصل إليه الباحثون، خاصّة فيما يتعلَّق بتطوّر المفاهيم اللّغوية ونمُوّها عبر العصور؟