أمَّا في التصاريف فلا أعتقد أنّ فيه من التأويل بهذا المعنى شيئا، لأنه كما سبق أن قدّمنا كتاب مبنيّ على الرّواية أساسا. والوجوه المذكورة للَّفظ الواحد إنَّما أخذها ابن سلاّم عمَّن روى عنهم. وهي راجعة على ما يبدو، إمَّا إلى اختلاف اللَّهجات العربية، والقرآن لم يخل من تلك اللَّهجات، أو إلى نتيجة تطوّر الكلمة في بيئة معيَّنة، من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، وهذا ما يفسّر الاتفاق الملاحظ بين كتاب مقاتل وكتاب ابن سلام في الوجوه القرآنية، وكذلك اتفاق التصاريف مع كتب التفسير بالمأثور كالطبري، وكتب اللّغة كلسان العرب.
ما تمتاز به كتب الوجوه والنظائر
إن كان يوجد هذا الاتفاق بين كتاب التصاريف الذي هو في فنّ الوجوه والنظائر القرآنية، وبين كتب التفسير بالمأثور وكتب اللغة، فما هي فائدة كتب الوجوه والنظائر؟
لعل ذلك يبدو في أنه يوجد فيها ما لا يوجد في التَّفسير إلاّ نادرا. ذلك أنّ الباحث يظفر في تلك التآليف بتجميع الآيات المتحدة المعنى في مكان واحد. وهذا أمر هام، لأنه من ناحية شرح للقرآن بالقرآن، وهو كما نعلم أوّل أنواع التَّفاسير وأسماها.
وتظهر أهميته من ناحية أخرى لمن أراد الإحاطة بالمعاني القرآنية المتحدة في نظرة عضوية متكاملة، خاصّة وأن الفترة الَّتي ألَّف فيها كتاب التصاريف لم تكن المعاجم اللّغوية، أو المعجمات العامة، قد ظهرت فيها بعد. فاللّغة لم تزل مفرّقة في الصّدور، يأخذها الناس مشافهة، ويتناقلونها عن طريق الرواية. وأوّل معجم عام ظهورا هو كتاب العين للخليل بن أحمد، من رجال القرن الثاني.
لكتب الوجوه والنظائر إذن أهمية أتتْها خاصة من المنهج الذي سارت عليه في تقديم مادّتها. فهو يسهّل على النَّاظر فيها استيعاب ما ورد فيها بسرعة وبوضوح.
قيمة كتاب التصاريف
لكتاب التصاريف قيمة مزدوجة: تاريخية وفنية.
فهو يعتبر من الناحية التاريخية، إلى جانب كتاب مقاتل، من أقدم ما وصلنا من